باسيل يخسر ما يطمح إليه جعجع؟
بعد المشكلة التي لم يسبق لها مثيل في تاريخ العلاقة بين "التيار الوطني الحر" و"حزب الله" منذ توقيع تفاهم مار مخايل بينهما عام 2006، فإنّ رئيس "التيار" النائب جبران باسيل قد وقع في الاحراج نتيجة المواقف التي أطلقها في حق الحزب وقيادته.
لم يسبق أن وصلت المشكلة الى هذا الحد من التشنّج بين الجانبين إبّان رئاسة العماد ميشال عون للتيار، ما ينمّ عن سوء إدراك باسيل لأهمية العلاقة مع الحزب وتأثيرها على مستقبل "التيار الوطني الحر" ورئيسه بالتحديد في ظل العزلة التي بدأ يمر بها "التيار" بعد انقضاء عهد الرئيس ميشال عون.
وبعد ان "راحت السكرة وجاءة الفكرة"، أي بعد اندفاعة باسيل اعلامياً والتي عبّر فيها عن ردة فعله على ما وصله ممّا يُحاك في الكواليس الرئاسية، فإنّ المراقبين يعتبرون ان هذا العمل الباسيلي ينم عن عدم خبرة في السياسية او عن سوء تقدير لردة فعل الطرف الآخر الحليف الذي اعتاد غَض الطرف عن تلك التصرفات التي ليست بجديدة على باسيل.
ففي كثير من المحطات كان "حزب الله" يتمنى ان تحل الاشكالات في الكواليس وليس عبر وسائل الاعلام، وإنما ضمن الحوار بين حليفين استراتيجيين وكان الكلام في حينه انّ على باسيل ان يُغَلّب الاستراتيجيا على التكتيك لا العكس على غرار ما كان يقوم به العماد ميشال عون، إنما باسيل أصرّ على ممارسة المياومة في السياسة وتغليب التكتيك على الاستراتيجيا وقد وصل الامر بأحد المطّلعين الى القول انّ باسيل أقرب الى رئيس حزب "القوات اللبنانية" الدكتور سمير جعجع من عون في طريقة ممارسة السياسة بينما رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية هو أقرب الى عون في طريقة مقارباته في العمل السياسي.
إلّا انه وبعد كل ما حصل، وجد باسيل نفسه امام حائط معنوي صلب قد شيّده "حزب الله" في وجهه بعد كلامه الاخير، فلم تصدّق عيناه أنه خسر، او هو على طريق خسارة من كان يُدلل ويغضّ الطرف على مساوئه واخطائه ويتقبّل ما لا يقبله العقل. كذلك أدرك باسيل في اليقين انّ مقولة الغطاء المسيحي للمقاومة هو مجرد رؤية صحيحة ولكنها غير ملزمة، فراح يصول ويجول ليؤكد انه غير معزول وبالتالي لديه خيارات متعددة متناسياً انّ ما يمكن أخذه ممّن التقاهم حتى في اعالي جبال لبنان على علو 2000 متر عن سطح البحر عند ممارسته رياضة "الهايكينغ" يبقى سراباً اذا لم يُباركه السيد حسن نصرالله الذي يتمنى خصمه قبل حليفه ان يكون على وفاق ووئام معه. فما خسره باسيل يتمنى ان يحصل عليه جعجع، وهذا ما اكدته المفاوضات التي رافقت انتخابات الرئاسة عام 2016 بين الافرقاء المسيحيين في حينه، اذ ليس خافياً على احد انّ جعجع يدرك تماماً أهمية العلاقة الاستراتيجية مع "حزب الله" خصوصا بعدما تبيّن من مصادر اميركية عدة ان الادارة الاميركية تريد رئيساً للجمهورية يتكلم مع "حزب الله"، فكيف لباسيل ان يخسر ما يسعى خصومه الى حيازته.
ويرى المراقبون انّ باسيل يعيش حالياً مشكلة حقيقية نتيجة سوء تعامله مع "حزب الله" خصوصا بعد لقائه الاخير مع السيد نصرالله الذي كان في منتهى اللياقة والموضوعية معه عندما قارَب موضوع رئاسة الجمهورية، إلا أنه ما إن خرج من هذا اللقاء حتى ضرب عرض الحائط الصُدقية التاريخية التي رافقت علاقتهما، فراح يُصعِّد ويكيل الاتهامات لفرنجية في حين ان هذا الاخير لم يكن قد قام بأي امر يُسيء اليه او حتى لم يكن قد رشح نفسه.علماً ان باسيل، وفي مقاربته لموضوع رئاسة الجمهورية مع الجانب القطري وفي معرض تقييمه السلبي لأداء قائد الجيش العماد جوزف عون، استمهَل لأخذ رأي عمه الرئيس ميشال عون، وذلك على عكس تصرفه مع السيد نصرالله. ويضاف الى ذلك ان العودة عن الاتهام بعدم الصدق الذي وجّهه خلال إطلالته عبر المؤسسة اللبنانية للارسال LBCI جاء مخيباً للمعنيين إذ انه مَيّز بين قيادة "حزب الله" وكوادره لجهة الصدقية، في حين ان الجميع يدركون ان الحزب هو جسم متكامل لا يمكن التمييز بين قيادته واعضائه.
على ان السؤال الذي يطرحه باسيل على نفسه وامام القريبين منه هو كيف يمكنه العودة بالعلاقة بينه وبين "حزب الله" الى سابق عهدها، وهو الذي يعيش أحجية ما اذا كان "الحزب" لا يزال يعتبره "ممراً إلزامياً" الى رئاسة الجمهورية ام لا.
ان اي قراءة موضوعية لما يحدث في واقع الاستحقاق الرئاسي وفضائه تفيد انّ اي ليونة سعودية في اتجاه فرنجية من شأنها إحداث خَرق مسيحي كبير، اذ انّ جعجع سيكون في الحد الادنى مؤتَمناً على تأمين نصاب جلسة الانتخاب مع ما يمكن ان يرافق ذلك من انفتاح بين "القوات اللبنانية" وتيار "المردة" على ان ينسحب هذا الانفتاح على العهد بكامله، وبالتالي تكون الانتخابات الرئاسية جارية بمباركة "الثنائي الشيعي" الذي لطالما يسعى الى انتخاب رئيس بالتوافق، فلا يعقل عندها ان يعطل "حزب الله" الانتخابات الرئاسية بحجّة إقناع من اساء اليه، علماً ان المطّلعين على موقف الحزب يعرفون انه حريص تمام الحرص على استمرارية العلاقة بينه وبين "التيار الوطني الحر" إلا اذا... كما تَسرّب من محضر لقاء السيد نصر الله مع بعض المسؤولين في الحزب.
كذلك يبقى الرهان على ما قد يقوم به العماد عون في هذا الصدد، فإمّا ان يكون عاملاً مساعداً لحماية "تفاهم مار مخايل"، وامّا ان يزيد تصعيد باسيل تصعيداً، علماً ان هناك ثمة من يُسرّب نقلاً عنه ما يفيد اعتماده الخيار الثاني، اي التصعيد، وهذا ما يمكن تَلمّسه من خلال إطلالة تلفزيونية قريبة يجري التحضير لها حالياً.
على ان بعض المطلعين على حراك باسيل الراهن كشفوا انّ الحديث بينه وبين رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط خلال لقائهما الاخير تناول العموميات، كما انّ لقاءه مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لم يكن ناجحا بدليل فشل اللقاء الوزاري التشاوري الاخير في السرايا الحكومية، امّا وقوف باسيل الى جانب البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في قداس الميلاد فقد وَصَفه البعض بأنه "كان استفزازياً للمسيحيين ولا سيما منهم الذين طاوَلتهم جميعاً نيران العهد ولم يكن لسيّد بكركي اي مونة في هذا الصدد"، على حد تعبيرهم
طارق ترشيشي