حزب الله “الثابت” وباسيل “المتحرِّك”: الضجيج ليس عصياناً

حزب الله “الثابت” وباسيل “المتحرِّك”: الضجيج ليس عصياناً

الكاتب: منير الربيع | المصدر: المدن

3 كانون الثاني 2023

بين حزب الله والتيار الوطني مشاكسة سياسية مستمرة. ليس هدف الطرفين منها الوصول إلى حالة من القطيعة. قنوات التواصل مستمرة ولكن بشكل رسمي. كل واحد منهما يريد أن يستقطب الآخر إلى ساحته. الرئيس السابق ميشال عون دخل إلى الساحة بثقله، إذ قال: “جبران هو من أبرم التحالف، وهو يريد تعديله وتطويره. وأنا أؤيده”. موقف يحمل رسائل كثيرة ودلالات متعددة. لكن ما لا يحتاج إلى تفسير أن المطالبة بتعديل “التفاهم” بين التيار والحزب يعني أنه لم يعد يلبي طموحات سياسية. المعنى الأوضح لذلك هو الخلاف الكبير بين الجانبين حول الاستحقاق الرئاسي. فحزب الله يتمسك بسليمان فرنجية فيما باسيل يتشدد في معارضته. الفارق بين الحليفين في هذه المرحلة أن باسيل يستعين في مشاكسته بحركة سياسية واسعة يقوم بها، وبزيادة وتيرتها مع وتيرة تصريحاته ومواقفه. فيما يستعين حزب الله بالصمت، ويتسلح بالانتظار.

“تنويعات” باسيل

تختلف تقييمات الطرفين لنتائج هذا “الكباش” المستمر بينهما. فمن يقرأ في مواقف الحزب يجده مستمراً على موقفه ذاته، حول طبيعة مرشحه والدعوة إلى التوافق من دون إسقاط احتمال الذهاب إلى خيار آخر، ولكن بعد استنفاد كل محاولات ايصال فرنجية، أو في حال قرر الرجل أن ينسحب من السباق ولا يبقى مرشحاً. هنا تقول المصادر القريبة من الحزب، إنه من الخطأ الرهان على كلل فرنجية، أو على استسلامه السريع. في المقابل، تقول مصادر أخرى أن فرنجية وحالما يجد أن مقومات التسوية أو التوافق على شخصية ثالثة، تكون وسطية ومقبولة من الجميع، فهو سينسحب تلقائياً ولا يسمح لنفسه أن يبقى معرقلاً للاستحقاق الرئاسي.

أما من يقرأ مواقف باسيل، فيجد فيها الكثير من التنوع. اولاً، السعي إلى البحث عن مرشح ثالث، وذلك من خلال لقاءاته واتصالاته لقطع الطريق على فرنجية ودفعه إلى الانسحاب. ثانياً، يشير باسيل إلى تمسكه بالعلاقة مع حزب الله، ولكن مقابل تعديلات سياسية جديدة على “تفاهم مار مخايل”. ثالثاً، يحرص على ربط العلاقات مع قوى متعددة، من جنبلاط إلى جعجع بالإضافة إلى السنّة. أما خارجياً، فالرجل يطلق مواقف متعددة، يسعى من خلالها إلى التودد لدول الخليج، سواء من خلال الإشادة بمونديال قطر، أو بالإصلاحات التي يقوم بها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. ولا يتوانى عن إعلان موقف “متعاطف” مع الاحتجاجات الشعبية الإيرانية وتأييده لـ”الحرية، وأن التغيير يطرأ على الأجيال”. ولربما يكون هذا الموقف من الكبائر بالنسبة إلى حزب الله.خسائر التحالف وأرباحه

بالنظر إلى قراءة الموقفين، لا بد من طرح سؤال أساسي، وهو يتعلق بمن سيتقدم خطوة باتجاه الآخر؟

بالنسبة إلى حزب الله، فهو باق في موقفه، من دون رغبة في القطيعة مع باسيل. ويعتبر الحزب أنه لم يسبق له أن انسحب من أي تحالف أبرمه، بل الآخرون هم الذين تخلوا أو انقطعوا. أما عن باسيل، فيعتبر الحزب أن باسيل هو الذي تخلى عن تحالفه مع القوات اللبنانية ومع تيار المستقبل ومع الجميع. وبالتالي، في حال فعلاً كان التحالف مع الحزب مهدداً فإن حسابات باسيل هي السبب.

أما بالنسبة إلى التيار الوطني الحرّ، فالمسألة مختلفة. إذ يعتبر التياريون أن التحالف مع حزب الله كلّفهم الكثير، مسيحياً أولاً، وخارجياً ثانياً، وصولاً إلى العقوبات، بالإضافة إلى خسارة التيار الكبرى في عدم قدرته على إلحاق الهزيمة برئيس مجلس النواب نبيه برّي، وما يتبع ذلك أو ينسحب على شخصيات أخرى من بينها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. هنا يأتي رد الحزب سريعاً، بأن كلام باسيل المكرر لا يحتاج للنقاش، فكلامه عن المنظومة يسقط بناء على تحالفه مع الحريري وما تبع هذا التحالف. أما كلامه عن الخسارة بفعل التحالف مع الحزب، فهو مردود، لأن كل ما حققه التيار سياسياً وصولاً إلى رئاسة الجمهورية كان من مندرجات التحالف.

إلى بيت الطاعة؟!

بمعزل عن كل هذا النقاش الذي أصبح مكرراً، تبقى نقطة مركزية عالقة لا بد لها ان تحسم الوجهة، لكنها تحتاج إلى وقت لتتبلور. وهي ترتبط بجملة ملفات داخلية وخارجية. فباسيل يراهن على حركته الداخلية بالإضافة إلى تطورات خارجية تزيد من منسوب الضغوط السياسية والمالية والقضائية على لبنان، لا بد أنها ستفرض وقائع ومقاربات جديدة. وهذه ستضطر حزب الله إلى إرضائه، وستقود إلى البحث عن مرشح وسطي. وهذا يكون كفيلاً في إعادة البحث بالعلاقة بين الطرفين المحكومين ببعضهما البعض.

أما حزب الله فيعتبر أن كل حركة باسيل الداخلية والخارجية لن تؤدي إلى أي نتيجة، ولن يصل إلى أي مكان. فلا جنبلاط ولا جعجع ولا نبيه برّي ولا أي جهة أخرى ستأتي لتعطي باسيل ما يريده في هذه اللحظة الحرجة بالنسبة إليه. ولا أحد سيسلفه موقفاً أو التسليم له بالأوراق الرئاسية ولما يطرحه. ولذلك، ثمة اعتقاد مقرون بالصمت والصبر لدى الحزب، بأن باسيل سيعود في النهاية إلى بيت الطاعة السياسي، وليس بالضرورة الرئاسي. أي أن عودته إلى الحزب حتمية، ولكنها لا تنطبق على مسألة الموافقة على انتخاب فرنجية. وبذلك تبدو العودة مؤجلة إلى ما بعد طي صفحة ترشيح رئيس تيار المردة.