تفاهم مار مخايل على المحك مجدّداً بعد قرار الحزب الأخير…

تفاهم مار مخايل على المحك مجدّداً بعد قرار الحزب الأخير…



ابراهيم بيرم



سيرة العلاقة التفاهمية بين “#حزب الله” و”#التيار الوطني الحر” واحتمالات انفراط عقدها أو إعادة بعث الروح فيها وفق أسس ومنطلقات مختلفة باتت تشبه إلى حد بعيد قصة “إبريق الزيت”، إذ إنها أضحت مادة مفلوشة على الدوام على طاولة الإعلاميين والسياسيين يسلطون الأضواء عليها غب الطلب، وعند أي تحوّل سياسي أو حكومي خصوصاً في ظل لعبة “اللايقين واللاحسم” التي يمارسها طرفا التفاهم منذ الانفجارالمدوّي الأخير لهذه العلاقة في أعقاب مشاركة “حزب الله” في الجلسة الأخيرة لحكومة تصريف الأعمال.

لذا كان بديهياً أن يُستدعى هذا الموضوع في الساعات القليلة الماضية في أعقاب قرار الحزب مشاركة وزيريه في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في الجلسة التي يعتزم ميقاتي عقدها مطلع الأسبوع المقبل.

بطبيعة الحال، سيكون للحزب أن يزعم أنه سعى إلى التفاف مبكر على التداعيات السلبية من جانب شريك تفاهم مارمخايل المترنّح من خلال تظهير أن دواعي المشاركة معيشية – خدماتية محضة، وستكون حصراً لإقرار بند واحد أحد هو بند سلفة الكهرباء، في ما يبدو أنه استعادة لمبدأ المشاركة في الجلسة الأخيرة حيث كان العنوان حينها إقرار سلفة للمستشفيات والدواء.

كثرة من المحلّلين والراصدين بنت عمارة تقديرات مبكرة على مدلولات مشاركة الحزب وأبعاد عدم المشاركة في الجلسة الموعودة لحكومة تصريف الأعمال باعتبار أن أي مشاركة إن حصلت تعني أن الحزب ماضٍ قدُماً في رحلة التحدّي لإرادة الحليف، خصوصاً مع إدراكه المسبق لردة الفعل السلبية للتيار البرتقالي على مجرد انعقاد الجلسة ويتوعّد تالياً بسلوك أكثر سلبية من هذا التيار، ينطوي على احتمال حدوث القطيعة النهائية بين ركنَي التفاهم ولا سيما أن ثمة من رأى أن الأسابيع التي تلت ظهور رئيس التيار جبران باسيل متّهماً شريكه بـ”عدم الوفاء بتعهداته” وخروج الحزب عن صمته المعتاد ببيان رد بليغ، كانت كلها بمثابة اختبار أخير.

لم يعد مجهولاً أن الحزب مهّد لهذه المشاركة وحاول أن يعطيها أسباباً تخفيفية، وقد تجلّت في مساعٍ حثيثة بذلها أحد قيادييها حسين الخليل ترمي في جوهرها إلى أمرين: الأول إقرار صيغة حلّ وسطي يمرّر السلفة، والثاني محاولة إقناع التيار بالمشاركة في الجلسة لإقرار البند الضروري. ولكن كلّ هذه المساعي وصلت إلى حائط مسدود فكان لزاماً على الحزب أن يقرّر في نهاية المطاف فأخذ وقته (أكثر من 36 ساعة) لكي يعلن على لسان أحد وزيريه علي حميّة أنه قرر المشاركة لإقرار السلفة، وأن وزيرَي الحزب أبلغا من يعنيهم الأمر بأنهما سيغادران قاعة الجلسة إذا أصرّ ميقاتي على طرح بنود أخرى.

والسؤال المطروح هو” هل طريقة المعالجة تلك التي ابتدعها الحزب برهاناً على رغبته في الحيلولة دون مزيد من التأزّم في علاقته المهتزّة أصلاً مع التيّار مقنعة وكافية، واستطراداً هل التيار سيقبل بتسويغ الحزب وطريقة إدارته للموقف؟ واستتباعاً ما هو مستوى ردة فعل التيار؟

في الساعات المقبلة، ستنجلي الأمور وسيفرج التيار عن موقفه ويكشف عن نيّاته، فإما أن يمضي إلى تصعيد مع الحزب أو يتقبّل الأمر الواقع، علماً بأن كفّتي الاحتمالين متعادلتان.

القيادي في التيار النائب ألان عون المطلّ على ملف العلاقة تلك له وجهة نظر إلى مستقبل هذه العلاقة تتجاوز اللحظة الآنية وتتعدّى استطراداً الواقع المهتزّ الذي آل إليه التفاهم أخيراً. وبصفته أحد المكلفين بمتابعة هذا الملف الثقيل يقول لـ”النهار”: “بصراحة نقول إن مستقبل هذا التفاهم لم يعد هيّناً، بالمستطاع معالجته بسلاسة ويسر أو وفق الطرق التقليدية السابقة”.

أضاف: “إذا افترضنا أن المساعي والجهود الحالية نجحت في تمرير المرحلة والحدّ من تداعياتها، ولا سيما ما يتصل بأمر المشاركة في جلسات حكومة تصريف الأعمال التي معلوم أننا لا نقرّ بميثاقيّتها ودستوريّتها، وإذا ما وجدنا طريقة لمعالجة اختلافنا البيّن حيال الملفّ الرئاسي، فإننا لا يمكن إلا أن نقرّ بأن ثمة مخاوف وتقديرات غير مطمئنة مستقبلاً”.

واستدرك عون قائلاً: “نحن أمام استحقاق مفصلي هو استحقاق الرئاسة، وما سيكون بعدها من ملفات وقضايا متراكمة وموروثة وأخرى مستجدّة وطارئة”.

وردّاً على سؤال قال عون: “نحن لم نقطع خطوط التواصل والحوار مع الحزب، لكن مع ذلك نستشعر أن المسألة ليست هنا حصراً، إذ إن ثمّة تباينات تصل إلى حد النزاع حيال كثير من القضايا المستقبلية، وسنجد جميعاً أنفسنا أمامها إن انتُخب رئيس جديد، لأننا نقرّ ونعترف بأن ما ينتظر البلاد والعباد من استحقاقات هو من الحجم الكبير. وإن ظلّ الحزب ثابتاً عند طريقة تعاطيه ومقاربته التقليدية للأمور وبقي متحصّناً بحساباته وهواجسه، وإن استمررنا نحن في نهج التعاطي المختلف الذي بدأناه أخيراً، فإننا نخشى أن نصل إلى يوم لا نجد فيه قواسم مشتركة جامعة”.

من كل هذه الخلفية، يستطرد عون: “انطلقنا بداية لنشير إلى صعوبة المسار المستقبلي للتفاهم المبرَم منذ نحو 16 عاماً، والذي لا ننكر أن له حسناته في محطات عدة. وعليه نطلق عالياً دعوتنا إلى إعادة قرءاة متأنّية للتفاهم على أسس وقناعات ورؤى مختلفة، ونطلق أيضاً دعوتنا لإعادة تطوير هذا التفاهم. ونحن عموماً لا نطلق تلك الدعوة إلا من باب الحرص على ديمومة هذا التفاهم، لا أن يصبح نسياً منسيّاً”.

وفي مقابل هذه الرؤى، فإن الحزب ما انفك يرى أنه لا يسعى إلى ما لا ينقض هذا التفاهم وأن مشاركته في جلسة الحكومة السابقة والموعودة لا تنطلق من موقف كيدي أو عدائي للتيار، بل هي ترجمة لرغبة في تسيير أمور الناس الملحّة. والحزب أعلن على لسان وزيره مصطفى بيرم أنه يدعو إلى فصل دائم بين السياسة وحساباتها وتعقيداتها وبين مهمّة ملحّة هي تسيير شؤون البلاد والعباد وتدبير احتياجاتها.

أما عن مصير التفاهم، فالحزب يذكّر بأنه كان لسيده السيد حسن نصرالله في إطلالته الأخيرة فصل الكلام من خلال التأكيد على الآتي:

– إن الحزب لا ينكر العوائد الإيجابية لهذا التفاهم ولا ينكر رغبته في إدامته.

– وفي هذا السياق، إن الحزب منفتح على تطوير هذا التفاهم ليحاكي كل التطورات التي استجدّت منذ إبرامه في شباط عام 2006 إلى اليوم.

– ويكرّر الحزب في هذا الإطار موقفه المعلن من أن التيار في حِلٍّ من الالتزام بمندرجات هذا التفاهم إن استشعر أنه بات ضيّقاً عليه، إذ إن التفاهم بدا رضائياً واستمراره يكون على أساس ذلك.

ولا يفوت الحزب أن يكشف عن أن سيده أعطى التوجيهات اللازمة لإعادة بث الروح في قنوات التواصل بين الطرفين ليُبنى على الشيء مقتضاه.