هل بات ملف «بيروتشيما» أمام «توازن ردع» بعد هبّة الشارع والكنيسة؟

هل بات ملف «بيروتشيما» أمام «توازن ردع» بعد هبّة الشارع والكنيسة؟

المصدر: الراي الكويتية

16 كانون الثاني 2023

– التحقيق اليوم مع نون وآخَرين من أهالي الضحايا… هل «يمرّ على خير»؟

– الراعي هاجم «فلتان» القضاء الذي «أصبح وسيلة للانتقام» وأجهزة أمنية «تلبس ثوب الممارسة البوليسية»

– «حزب الله» يدوْزن موقفه من جلسة الحكومة فهل ينجح بتفادي كَسْر الجَرّة مع «التيار الوطني الحر»؟

هل هي «استراحة ما بين العاصفتين» في قضية انفجار المرفأ بعد توقيف شقيق أحد الضحايا لساعات وعشية التحقيق المرتقب اليوم معه و10 آخَرين من أهالي شهداء «بيروتشيما»، أم أن الوقائع التي رافقتْ ما اعتُبر «اعتقالاً تعسفياً» لـ وليم نون و«العصف» الشعبي والسياسي والقضائي والديني لهذا التطوّر أرسى «توازن ردعٍ» في مسارٍ أَنْذَرَ بـ… «انقلاب الأدوار»؟

سؤالٌ تَرَدَّدَ بقوة في بيروت غداة انقشاعِ غبار التوقيف الذي اعتُبر «طائشاً» لنون لدى جهاز أمن الدولة بناء على إشارة قضائية على خلفية تصريحاتٍ أدلى بها ضدّ أحد القضاة والتوجّه إليه بـ «روح بلِّط البحر» وحديثه عن «تفجير العدلية بالديناميت» بحال تم تعيين قاضٍ رديف للمحقق العدلي القاضي طارق بيطار ما يعني «عزْله» عن الملف ضمنياً، إلى جانب ما رافق تحركاً للأهالي أمام قصر عدل بيروت من تحطيم زجاجِ عدد من المكاتب.

وترى أوساط سياسية أن التحقيق الذي سيحصل اليوم مع نون و10 آخَرين من أهالي الضحايا أمام تحري بيروت (الشرطة القضائية) بناء على استدعاء من النائب العام الاستئنافي في بيروت القاضي زاهر حمادة في مسألة تكسير زجاج قصر العدل سيشكّل مؤشراً حقيقياً لمآل هذه القضية التي تفرّعت من أزمة التحقيق العالق في جريمة المرفأ والذي يطالب ذوو الشهداء بفكّ أسْره وتسريع الآليات القضائية لبت دعاوى الردّ المقدّمة من 4 وزراء سابقين مدعى عليهم (والرئيس حسان دياب) بحق بيطار بما يسمح باستنئاف التحقيقات المجمّدة منذ نحو 15 شهراً وأيضاً معالجة مسألة الموقوفين منذ اغسطس 2020 من ضمن هذا المسار وليس على قاعدة تجزئة الملف و«تعدُّد الرؤوس» فيه.

وبحسب هذه الأوساط فإن ما سيكون أمام اختبارٍ فعلي اليوم هو هل نجحت «هبّةُ» الدفاع عن نون بوصْفه «رمزاً» لقضية المرفأ والتي تَكاتف فيها الأهالي مع نواب المعارضة وبـ «رعايةٍ» مباشرة من الكنيسة المارونية، في إقامة، بالحد الأدنى، «توازن سلبي» لن يفرج قريباً عن التحقيقات في «جريمة القرن» ولكنه يوقف منحى «انقضاضياً» على ذوي 237 شخصاً سقطوا في 4 أغسطس 2020 ويرْفضون «دفن» الملف الذي وقع في «شِباك» صراع الصلاحيات حول مَن يلاحق الوزراء والرؤساء، وأسير «أسرارٍ» قد يكون «ممنوعاً» كشْفها عن «الصندوق الأسود» لنحو 2700 طن من نيترات الأمونيوم «استوطنت» المرفأ لنحو 7 سنوات وتَسرّبتْ منها مئات الأطنان قبل انفجار ما بقي منها.

وسيرافق الأهالي المستَدعين الى التحقيق اليوم، ذوو الضحايا الآخرين وتظاهرة دعمٍ وعدد من النواب والمحامين، وسط رهان على أن المعنيين بالتحقيق سيرتدعون عن الانزلاق نحو أي توقيف للأهالي وبعضهم كبار في السن، تَدارُكاً لأي تَشظياتٍ غير محسوبة لهذه القضية على مرمى أيام من وصول وفد قضائي فرنسي إلى لبنان لاستطلاعِ التحقيقات ربْطاً بمسار مفتوح في باريس التي سقط لها ضحايا في الانفجار.

وفي السياق نفسه، بدا أن الكنيسة المارونية رسمت خطاً أحمر في هذا الإطار سيكون من الصعب تجاوُزه بعدما رفع البطريرك مار بشارة بطرس الراعي الصوت أمس بمواقف نارية في حضرة وفد من الأهالي صوّبتْ على القضاء الذي «أصبح وسيلة للانتقام والكيدية والحقد» وعلى «الأجهزة الأمنية التي تلبس ثوب الممارسة البوليسية»، وذلك وسط وقوف القضاء، الذي انقسم على نفسه من رأس الهرم (مجلس القضاء الأعلى) في مسألة توقيف نون، أمام امتحانٍ لا يقلّ حساسية في ملفات فساد وتبييض أموال وشبهات تتصل بحاكم المركزي رياض سلامة وشقيقه رجا وآخرين ستكون ابتداءً من اليوم محور مهمة لوفود أوروبية من فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ ستستمع إلى 15 شخصاً من كبار المسؤولين في المصارف والمركزي وأحدهم بصفة مشتبه به.

وقال الراعي الذي كان دخل مباشرة وهو في طريقه من لندن الى بيروت على خط الضغط لتخلية نون، وإلا سيتوجه لمكان احتجازه: «جاء توقيف عزيزنا وليم، المجروح في صميم قلبه بفقدان شقيقه الغالي بتفجير مرفأ بيروت، ليبيّن أن القضاء أصبح وسيلة للانتقام والكيدية والحقد. وإن الأجهزة الأمنية تلبس ثوب الممارسة البوليسية. وليبيّن فلتان القضاء بحيث صار يحلو لأي قاضٍ أن يوقف أي شخص من دون التفكير بردات الفعل وبالعدالة»، وأضاف: «ألا يخجلون من أنفسهم الذين أمَروا باعتقال هذا الشاب المناضل وبدْهم منزله وسجنه غير عابئين بمآسيه ومآسي عائلته وكل أهالي ضحايا المرفأ، وغير مبالين بردة الشعب؟ ثم يستدعون مناضلاً آخر بيتر بو صعب وهو شقيق شهيد آخَر؟ هل يوجد في العدلية قضاة مفصولون لمحاكمة أشقاء شهداء المرفأ وأهاليهم؟ إننا نقدّر وقفة إخواننا السادة المطارنة وأبنائنا الكهنة والرهبان والسادة النواب والمواطنين، مستنكرين بتضامنهم هذه الممارسات المقيتة التي تقوّض أساسات السلام».

ووعد البطريرك بعد القداس الأهالي بالوقوف الى جانبهم وطلب منهم التروي والتصرّف بحكمة «كي لا تُستغل قضيتهم في الزواريب السياسية»، وأكد أن «مطلبنا من الأساس التحقيق الدولي في قضية المرفأ».

بدوره دعا ميتروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة لوقف «التَنْكيلَ اللاأخلاقيّ بِذوي الضحايا الموجوعين وهذا التَجاوُزَ اللامهَنيّ للقانون، وافـْرضوا العدالة»، وقال: «بئس سلطة تسْتقوي على الضعيف ولو كان صاحب حق وتُمالئَ المجرم والجاني والفاسد إمّا تواطؤاً معه أو خوفاً منه».

وعلى وقع هذا الصخب، يقف ملف المرفأ أمام مأزق عدم إمكان المضي قدماً بالتحقيقات في ضوء التعقيدات السياسية، وعدم القدرة على العودة إلى الوراء في ظل ضغط الأهالي الذين سيصعّدون ويتوجهون الخميس الى البرلمان الذي يعقد جلسة جديدة لانتخاب رئيس، وسط مخاوف من أن يخرج الملف برمّته من أيدي اللبنانيين في ضوء تقارير عن أن واشنطن تتابع عن كثب قضية وجود أحد الأشخاص بين الموقوفين في الملف منذ أغسطس 2020 من دون محاكمات يحمل الجنسية الأميركية (مسؤول أمن المرفأ محمد زياد العوف) وإبلاغها المعنيين في بيروت بوجوب تسريع بت هذه المسألة التي تردد أنها باتت على مكتب وزير الخارجية الأميركي انطوني بلينكن تنتظر التعاطي معها بموجب قانون (levinson act ) الذي يُعنى بـ «الرهائن الأميركيين» ويتيح فرض عقوبات على محتجزيهم.