صرخة من سراي زحلة في البقاع

صرخة من سراي زحلة في البقاع

لا فرق بين الاستعمار والاستحمار: سوى أن الاول يأتي من الخارج والثاني يأتي من الداخل. هذا ما قاله الدكتور علي شريعتي منذ أكثر من أربعين عاماً، الا أن هذه المقولة باتت تنطبق على لبنان. كيف لا، ونحن في خضم جلسات فاشلة لانتخاب رئيس الجمهورية، وكما بات معلوماً عند الجميع بأن لا استقرار اقتصادي ومالي وسياسي، ولا رئيس للجمهورية إلا في حال حدوث تسوية خارجية كالعادة، مع الأسف الشديد.


والمؤسف أكثر وجود الحكومة وعدم وجودها، مما يؤدي إلى نفس النتيجة أي الفراغ. كيف لا ونحن نشاهد بأم العين، الإضرابات للقطاع العام والقطاع الخاص بشكل متكرر، بسبب تدهور الحالة الاقتصادية والوضع المعيشي، فالرواتب التي باتت متدنية، وبالكاد تكفي الموظف بدل نقل طول الشهر لعدة أيام.

ولكني عايشت تجربة، وكنت شاهد عيان في دائرة البقاع الأولى (زحلة) كيف كان الموظفون يعملون في دائرة النفوس وعلى رأسهم رئيس الدائرة السيد ربيع مينا. كيف كان يعمل بمفرده على ضوء هاتفه الخاص ليسهل أمور المواطنين، وكيف حافظ على ما تبقى من هيبة الدولة ولو كان على عاتقه شخصياً. حيث أن الدائرة تفتقد لأوراق إخراجات القيد والقرطاسية بكافة أنواعها ناهيك عن انقطاع الكهرباء. لكن رئيس الدائرة والموظفين يجهدون لخدمة المواطنين.

أعتقد بأن المعنيين بهذا الشأن بالذات لا يحتاجون إلى تسوية خارجية، لكي يزودوا الدوائر العقارية ودوائر النفوس وسواها من الدوائر، بالطوابع والقرطاسية والكهرباء. لكي يمكن الموظفين من القيام بواجباتهم اتجاه المواطنين، وأن تأخذ السلطة السياسية هذه البلاد بعين الرأفة والرحمة، كي لا يقع سقف هذا الوطن فوق رؤوس الجميع.

لا من شكر الموظفين الذين يقومون بتسيير أمور تأخذ السلطة مأمور نفوس زحلة السيد ربيع مينا من يشبهه الذين يحملون على كاهلهم أعباء تقصير المسؤولين في دوائره ومؤسساتهم، ويقوموا بأكثر ما بوسعهم لكي يحافظوا على ما تبقى من هيبة الدولة.


ولا بد من توجيه دعوة الى الجهات السياسية التي تنادي دائماً بالحرية والاستقلال وتعارض دخول مادة الديزل والبنزين والفيول من دولة معينة. أدعوها لكي تأتي هي بهذه المواد من الدولة الصديقة لها والتي تدعي حب لبنان والشعب اللبناني لأن الذي يحب يعطي ولا يمنع ولا يجلس في القصور العاجية على جماجم الفقراء. لكن المفارقة في لبنان أصبح هناك أيدٍ ممدودتان: يد تُقبل وهي مما يُقطع، ويد تُقطع وهي مما يفتدى، ويصان ذاك لأنه من معشرٍ ويضام ذلك لأنه مما لا يركع، الفارق كبير يد تمثل دورها باسم الحرية.

الحرية أرفع فتنبهوا وكفوا عن هذه المهازل واحذروا من مثلها فورا، وهذا مخطط شرير وأعيذُ قومي من لظاه المروع.

واقع حالنا اليوم في لبنان كما نقل عن ابن خلدون قال « عندما تنهار الدول يسود الرعب ويلوذ الناس بالطوائف.. وتظهر العجائب وتعم الإشاعة.. ويتحول الصديق الى عدو والعدو الى صديق.. ويعلو صوت الباطل.. ويخفق صوت الحق.. وتظهر على السطح وجوه مريبة.. وتختفي وجوه مؤنسة.. وتشح الأحلام ويموت الأمل.. وتزداد غربة العاقل وتضيع ملامح الوجوه.. ويصبح الانتماء الى القبيلة أشد التصاقا.. والى الأوطان ضربا من ضروب الهذيان...

يضيع صوت الحكماء في ضجيج الخطباء.. والمزايدات على الانتماء.. ومفهوم القومية والوطنية والعقيدة وأصول الدين.. ويتقاذف أهل البيت الواحد التهم بالعمالة والخيانة.. وتسري الشائعات عن هروب كبير.. وتحاك الدسائس والمؤامرات.. وتكثر النصائح من القاصي والداني.. وتطرح المبادرات من القريب والبعيد.. ويتدبر المقتدر أمر رحيله والغني أمر ثروته.. ويصبح الكل في حالة تأهب وانتظار.. ويتحول الوضع الى مشروعات مهاجرين.. ويتحول الوطن الى محطة سفر.. والمراتع التي نعيش فيها الى حقائب.. والبيوت الى ذكريات والذكريات الى حكايات.


لذلك يا قوم تنبهوا واستفيقوا حتى لا تبحث عن وطنكم في أزقة الدول.

باقر الفوهماني