بين إلقاء الكلور على دوما وحملة رفع العقوبات

بين إلقاء الكلور على دوما وحملة رفع العقوبات

الكاتب: روزانا بومنصف | المصدر: النهار

10 شباط 2023

على أثر جلسة عقدها مجلس الأمن صباح الثلثاء في إحاطة مفتوحة، تعقبها مشاورات مغلقة، حول مسار الأسلحة الكيميائية في سوريا اطلع فيها على نتائج التقرير الثالث لفريق التحقيق وتحديد الهوية التابع لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، سارع المندوب السوري في الأمم المتحدة الى القفز فوق هذا التقرير الذي خلص الى مسؤولية النظام عن إلقاء قواته غاز الكلور السام على مدينة دوما في غوطة دمشق الشرقية، قبل 5 سنوات، ما أدّى إلى مقتل العشرات، في توظيف النتائج الكارثية للزلزال الذي وقع في تركيا وسوريا. بدت مفارقة مذهلة في مواقف نظام لا يزال يتلقى الاتهامات الدولية بقتل أبناء شعبه فيما سعى الى مساعدات إنسانية للسوريين الذين لحقت بهم الكارثة مطمئناً الى أن “أن أي مساعدات إنسانية يتلقاها لمواجهة تبعات الزلزال ستصل إلى كل السوريين في كافة أرجاء البلاد”. وهو مدرك مدى الشكوك الدولية في صدقيته بأنه يتحمّل مسؤولية كامل شعبه فيما لا يزال يخوض حروباً ضده في مناطق خارجة عن سيطرته وأصابها الزلزال بأضرار إنسانية باهظة ومحزنة جداً. وذلك فضلاً عن أن تسليمه المساعدات سيمكّنه من دخول مناطق للمعارضة لم يستطع دخولها حتى الآن.كذلك سعى المندوب السوري الى إبراز أهمية الإقرار بشرعية النظام فيما كانت لا تزال تصل المساعدات الى مناطق المعارضة عبر منظمات إنسانية وعبر باب الهوى مع تركيا بإعلانه أن “الوصول من داخل سوريا متاح، لذا فإن من يرغب بمساعدة سوريا بإمكانه التنسيق مع الحكومة ونحن سنكون على استعداد للقيام بذلك”. وأطلق المندوب السوري حملة في اتجاه الدول التي تفرض عقوبات على النظام من أجل رفع العقوبات عنه سارعت إيران الى تلقفها فيما تقوم روسيا بحملة متواصلة أصلاً من أجل الاعتراف بشرعية النظام ورفع العقوبات عنه. كما تلقف هذه الحملة حلفاء للنظام كما هي الحال في لبنان حيث دفع هؤلاء في اتجاه حملة لرفع العقوبات عن النظام على قاعدة أن العقوبات الأميركية هي ما يعرقل المساعدات لسوريا. وهو أمر نفته الخارجية الأميركية في بيان فيما انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي البنود في قانون قيصر التي لا تعوق تقديم المساعدات للشعب السوري على المستوى الإنساني والغذائي والصحي.

وبين صدور قرار منظمة حظر الأسلحة الكيميائية والزلزال الذي دمّر مدناً تركية وسورية بضعة أيام فقط حيث كان قد أصدر مسؤولون رفيعو المستوى من أعضاء مجلس P3 (فرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة) وألمانيا في 27 شباط كانون الثاني المنصرم بياناً مشتركاً حول التقرير الثالث لمعهد المعلومات الدولي. ودان البيان “استخدام النظام السوري المتكرر لهذه الأسلحة المروّعة” ودعا السلطات السورية إلى الامتثال لالتزاماتها بموجب اتفاقية الأسلحة الكيميائية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة. وأكدت كذلك أن الشرطة العسكرية الروسية ساعدت الحكومة السورية في عرقلة وصول منظمة حظر الأسلحة الكيميائية إلى موقع الحادث وحاولت “تطهير الموقع”. أثنى الموقّعون على البيان على “العمل المستقل وغير المتحيّز والخبير لموظفي منظمة حظر الأسلحة الكيميائية” وأكدوا مجدداً التزامهم بمحاسبة مرتكبي الهجمات بالأسلحة الكيميائية في سوريا وأماكن أخرى. ووحدهما الصين وروسيا اعتبرتا خلاصة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية متحيّزاة ومسيّسة. فيما تقرير دولي تلو الآخر حول هذا الموضوع أي استخدام الأسلحة الكيميائية ضد الشعب السوري لم يتح حتى الآن محاسبة النظام الذي يعاني حالياً من انهيار اقتصادي ومالي فيما قد تتيح المساعدات للشعب السوري تعويمه أمام مواطنيه وتعويمه إقليمياً وربما دولياً أيضاً. وهذا صعب حصوله باعتبار أن دولاً عربية وخليجية ميّزت كما الدول الغربية بين توجيه المساعدات للشعب السوري عبر منظمات دولية وغير حكومية ولا سيما في غياب الثقة بالأجهزة الحكومية، وهو الوضع الذي واجهه لبنان أيضاً بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020 ورفض المجتمع الدولي في ظل فساد أهل السلطة والهدر الهائل الذي تسبّب بانهيار البلد تقديم المساعدات عبر السلطات الحكومية ومؤسساتها. وهو أمر ينسحب حكماً على نظام الأسد وعلى وضعه شخصياً فيما انهالت الاتصالات الدولية والإقليمية على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان واقتصرت الاتصالات بالأسد على قلة قليلة من الرؤساء والمسؤولين. فالزلزال لن يكون بوابة الأسد من أجل إعادة تعويمه والإقرار بشرعيته وفق ما يقول ديبلوماسيون مراقبون. ولو أن تقرير منظمة مراقبة حظر الأسلحة الكيميائية لم يصدر أخيراً متهماً نظام الأسد بالمسؤولية عن إلقاء قنابل غاز الكلور على بلدة دوما أو لو أن هناك أدنى تجاوب من النظام مع الجهود الأممية لحلّ سياسي في سوريا لاختلف الوضع نسبياً وربما تقدّم وضع الأسد أشواطاً أو اختصر المسافات لإعادة الاعتراف بشرعيته. وحين كان يصدر أي موقف دولي رافض لعنف النظام ضد شعبه كان ذلك تدخلاً خارجياً ضد النظام فيما التدخل الدولي مطلوب بقوة راهناً في كارثة إنسانية تسبّب بها زلزال حيث لا يملك النظام أن يكون رافعة لشعبه خلالها بالحد الأدنى الممكن. ولذلك فإن أياً من الدول المؤثرة ليست على استعداد لتقديم هدايا للنظام في زمن تعتبر فيه هذه الدول أنه سبب أساسي في تعمّق مآسي الشعب السوري الهارب أساساً منه والخائف من ظلمه والذي يعيش لاجئاً في أرضه أو في دول الجوار.