لماذا رفع “حزب الله” معادلة “الفوضى بالفوضى”؟

لماذا رفع “حزب الله” معادلة “الفوضى بالفوضى”؟

الكاتب: عباس صباغ | المصدر: النهار

17 شباط 2023

معادلة جديدة أضافها الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في خضم الانهيار المتدحرج الذي يشهده لبنان، ومفاد تلك المعادلة “ان التجويع والفوضى مقابل استقرار المنطقة”. فكيف تدرّج الحزب للوصول الى تلك المقاربة؟

لا حديث يعلو الحديث عن الانهيار الذي يشهده لبنان في هذه الفترة، وليس مشهد اضرام النار امام فروع بعض المصارف سوى مؤشر الى حجم الازمة مع استقالة شبه كاملة للجهات الرسمية من كامل مسؤولياتها، وترك المواطنين لمصيرهم الاسود.

توجّس دائم !

منذ أن بدأت تحركات 17 تشرين الاول عام 2019 كان “حزب الله” متوجساً من تلك التحركات الى أن حسم امره بالطلب من جماهيره مغادرة الساحات على رغم تفريق الحزب بين المجموعات المشاركة في تلك التحركات، ولاحقاً بات الحزب على قناعة بان ما جرى في 17 تشرين “كان مدبّراً من خصومه” للتصويب على سلاحه، وفي الوقت عينه لإضعاف حليفه الرئيس ميشال عون وتحميل العهد ومعه “الحزب” تبعات ما يجري في البلاد وخصوصاً لجهة الانهيار الاقتصادي.

في تلك المقاربة ايضاً ان الهدف كان الضغط على “بيئة المقاومة” لفرض معادلة جديدة فحواها “ان استمراركم في دعم المقاومة سيرتد مزيدا من التجويع وبالتالي عليكم الاختيار بين الجوع أو حماية سلاح المقاومة”.

تلك المعادلة رد عليها السيد نصر الله في حزيران عام 2020 بوضوح، إذ قال: “من سيضعنا بين خيار القتل بالسلاح أو الجوع سيبقى سلاحنا في أيدينا وسنقتله”.

كان ذلك قبل اكثر من عامين ونصف عام. آنذاك كان الدولار لا يزال في حدود الـ 5000 ليرة، والقطاعات لا تزال تعمل والبنزين يحظى بالدعم وكذلك الادوية، فضلاً عن دعم المواد الغذائية الاساسية، وان كان هناك الكثير من الانتقادات لسياسة الدعم التي اتبعتها حكومة الرئيس حسان دياب.

بَيد ان الامور اختلفت اليوم ووصل الدولار الى 80 ألف ليرة ومعه تآكلت القدرة الشرائية للمواطنين وباتت كل الزيادات والتقديمات في خبر كان.

ووفق تلك المعادلة القاتمة ومع استمرار تحميله جزءاً من المسؤولية عن الانهيار في لبنان، كان لا بد من رفع السقف لدى “حزب الله” فأعلن في مناسبة تعني الكثير، أي في “يوم الشهداء القادة”، انه في حال دُفع لبنان إلى الفوضى فعلى من يدفعوا في اتجاه ذلك ان “ينتظروا الفوضى في كل المنطقة وفي مقدمها ربيبتكم إسرائيل”.

هذه المعادلة تعني بحسب اوساط الحزب “ان سياسة التجويع التي ستوصل الى الفوضى سيكون الرد عليها في المنطقة، بمعنى ان الخاصرة الرخوة لواشنطن في المنطقة، أي اسرائيل، ستكون هدفاً مشروعاً ولا سيما ان الضغط الذي يمارَس على لبنان وصل الى ذروة مرحلة جديدة وانه لا يمكن الاستمرار بسياسة طأطأة الرأس، وان اخذ المبادرة يعني وضع تلك المعادلة كقاعدة جديدة للاشتباك مع الولايات المتحدة وفي الوقت عينه مع حلفائها (يسميهم الحزب جماعة اميركا)، وخلاصة ذلك ان تجويعنا سيقابله أخذ المنطقة نحو الفوضى الشاملة، وبطبيعة الحال من ضمن تلك الفوضى خسارة كل شيء في لبنان”.

ومرر نصرالله رسالة مبطنة الى تل ابيب في حال استمرار التسويف في استخراج النفط والغاز من مياه لبنان. وقال: “إذا حصل تسويف بموضوع النفط والغاز من المياه اللبنانية، هل سنسمح باستمرار استخراج اسرائيل النفط والغاز من كاريش؟”، وتابع: “أقول لكم أبدًا…هذا معنى إذا بدك تجوّعنا منقتلك وأنا كنت مفكّر منيح بما أقول… أنا أحذّر من التسويف في موضوع النفط والغاز”. في تلك الرسالة ايضاً اعادة تفعيل قواعد الاشتباك مع تل ابيب واعادة عقارب الساعة الى ما قبل 27 تشرين الاول 2022، اي تاريخ الاعلان عن اتفاق ترسيم الحدود البحرية وبالتالي زيادة الضغوط على واشنطن التي يتهمها الحزب بأنها تضغط لمفاقمة الازمة في البلاد من خلال منعها دخول الكميات المطلوبة من الدولارات تحت ذرائع عدة منها ان تلك الدولارات تُهرّب الى سوريا .

في الخلاصة، وصول “حزب الله” الى تلك المعادلة يأتي بحسب متابعين بعد مراقبة كل التحركات والشعارات التي تُرفع فيها، وان التصويب كان في مناسبة او من دون مناسبة عليه وعلى سلاحه، وبالتالي فإن الامور باتت واضحة الى حد لم تعد بحاجة الى تحليل وانما فقط لقراءة المعطيات .