طموح “حزب الله” تحويل التفاهم إلى صداقة: فهل سيتجاوب باسيل أم يمضي قدماً في التصعيد؟

طموح “حزب الله” تحويل التفاهم إلى صداقة: فهل سيتجاوب باسيل أم يمضي قدماً في التصعيد؟

الكاتب: ابراهيم بيرم | المصدر: النهار

23 شباط 2023

تنقسم الآراء حيال مستقبل “تفاهم مار مخايل” بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” بعد مضيّ أشهر على الزلزال الذي يعيش تحت وطأته، بين رأيين أحدهما يرجّح نظرية أنه صار في خبر كان وأن كل محاولات إنعاشه تبدو عديمة النفع وأنه آن زمن مواراته وإضافته الى أرشيف محطات سياسية مماثلة عبرت في تاريخ الحياة السياسية اللبنانية المعاصرة، والرأي الآخر يعتمد على فرضية أن ثمة فرصة ولو ضيئلة جداً في استنقاذه وإعادة نفخ الروح فيه ولو جزئياً وموقتاً.

حتى الآن فإن كل المؤشرات المعززة بكلام رموز “التيار” تجعل كفة الاحتمال الأول هي الأكثر رجحاناً خصوصاً بعد الرد الأخير الصاعق لرئيس “التيار” على الكلام الذي أطلقه الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله من دون أن يسمّيه.

وإن كان للتيار البرتقالي أسبابه التي تمنعه من تأجيل إعلان نعي التفاهم بلسان صريح، فإن السؤال المحوري يتركز حول الأسباب التي تملي على الحزب أمرين:

– تحمّل ضربات متتالية تأتيه من باسيل والتيار عموماً حتى إنها أصبحت طبقاً يومياً، وتالياً تأجيل إصدار وثيقة الطلاق البائن لهذا التفاهم.

– وعن الرؤية الاولية التي استقر عندها الحزب لمستقبل العلاقة مع شريك التفاهم السابق واستطراداً ما هي بدائله الممكنة للتعويض عن موجبات هذا التفاهم وعن نتائجه؟

ثمة في الدوائر المكلفة أمر هذه العلاقة من يزعم أنه صار بحكم التجربة والخبرة يمتلك رصيداً معرفياً كبيراً بسلوكيات التيار ورئيسه يقول بأن التيار بات يستشعر أن مصالحه الكبرى لم يعد يؤمنها المضيّ بهذا التفاهم بل صار يتعيّن عليه أن يمهّد لمغادرته بذريعة أنه ثوب ضاق عليه.

طلائع الأمر تبدّت تحديداً منذ العامين الماضيين ولسانها الناطق رموز من التيار وبعض نوابه يخرجون على المنابر الإعلامية بلغة انتقادية حادة وكثيراً ما تكون اتهامية بحق الحزب تضعه دوماً في دائرة المروق من تعهداته فضلاً عن عدم مجاراة التيار في توجهاته التي يُفترض أنها توجهات مشتركة.

مع تكرار الأمر وتحوّله خطاباً يومياً، ازداد يقين الحزب بأن كل هذا الأمر ليس عابراً أو بريئاً أو حتى فشة خلق بل هو عملية ممنهجة تعتمد أسلوب مراكمة مقصودة ذات هدفين:

الأول تأهيل قاعدة التيار على فكرة فصم الشراكة مع الحزب تحت ذريعة أنها شراكة خاسرة أثقلت علينا وكبّلت يدينا في انتظار لحظة الخروج المؤاتية.

والثاني الشروع بإرسال رسائل مشفرة الى من يعنيهم الأمر فحواها أن عليكم الإعداد لملاقاتنا في “حال انقلابنا” على التفاهم بعروض تكون مناسبة لأن التحلل من موجبات اتفاق سياسي بهذا الوزن والتأثير ينبغي ألا يكون بسيطاً.

وعلى رغم كل هذه الإنذارات التي لا تخفى بقي الحزب على قناعة ضمنية فحواها فلنحاول احتواء هذه الحملة البرتقالية بالتي هي أحسن لضرورات ملحّة معروفة.

وربما “أغرى” الحزب وجعله يعتمد تلك النظرية حرص باسيل على إظهار الوجه المرن الراغب في عدم القطيعة بدليل تجاوبه سابقاً مع دعوة نصرالله الى مائدة الإفطار الرمضانية (رمضان الماضي) وجلوسه الى طاولة واحدة مع رئيس تيار المردة سليمان فرنجية متجاوزاً كل صفحات التناقض بينهما.

وبعدها كان أكثر من لقاء جمع نصرالله وباسيل والأخير وقيادات من الحزب بهدف تنسيق خوض الانتخابات النيابية معاً خصوصاً أن قرار الحزب المركزي حينها كان تأمين أكبر عدد ممكن من المقاعد لمرشحي التيار حتى لا يخرج ضعيفاً ومتراجعاً، الى حدّ أن بعض الإحصاءات تتحدث عن أن تصويت الحزب أمّن للتيّار 5 نواب حداً أدنى في بيروت والبقاعين الغربي والشمالي وبعبدا.

لكن هذا الوجه السلس والمتعاون عند باسيل ما لبث أن انتهى مفعوله بعد إقفال صناديق الاقتراع وظهور نتائج الفرز، وظهر الوجه المشاكس وعنوانه العريض نحن من يحدّد الرئيس المسيحي لا أنتم.

ذروة الضوء في هذا النهج تجلت في نتائج الاجتماع الذي جمع نصرالله بباسيل وفاتح فيه الأول الثاني بمسألة السير معه في خياره الرئاسي المعلوم وهو اللقاء الذي وصفه إعلام الحزب بأنه “لم يكن مريحاً” ولكن تبيّن لاحقاً أنه تعبير مهذب ملطّف للقاء سلبي تحوّل الى تصادم إرادات.

ومع ذلك فإن نصرالله حرص على إقناع ضيفه بتأجيل البحث الى لقاء آخر، لكن الصدمة الثانية عند قيادة الحزب هي أن باسيل تجاوز أمانة الأحاديث والمجالس وظهر في الإعلام التباين في محاولة بيّنة منه لقطع الطريق على أي بحث استكمالي.

ثمة في الحزب من يقول إن الانطباع العام الذي كوّنته الدوائر المعنيّة فيه أن باسيل كان قد أخذ قراراً مسبقاً بالمضيّ بهذا النهج التصعيدي لبلوغ النتيجة الحالية ومن حينه أخذ الحزب توجّهاً للمعالجة يقوم على الأسس الآتية:

– تحاشي أن يكون الحزب هو البادئ بلعبة الخروج من التفاهم إنفاذاً “لجانب أخلاقي” يحرص الحزب عليه وهو ألا يكون الساحب ليد سبق أن مدّها لآخر متعهّداً أو معطياً ميثاقاً ووعداً.

– تلافي الدخول في أي سجال كلامي وإعلامي مع رموز التيار الذين كانوا قد أطلقوا العنان لألسنتهم في حملة بدت منظمة، “وذلك صوناً لتاريخ من الشراكة والعلاقة النادرة”.

– وفي أسوأ الحالات الحرص على تنظيم حضاري للانفصال على نحو يفضي الى أمرين، الأول إبقاء الباب مفتوحاً بحدّه الأدنى أمام إمكان إعادة الاعتبار للتفاهم.

الثاني خفض مرتبة الشراكة تلك من مقام تفاهم متكامل بُني قبل 17 عاماً على أسس ومشتركات أنتجت تجربة حكم.

وحيال ذلك كله فإن السؤال: هل أفلحت رؤية الحزب تلك؟

الثابت الى الآن أن الحزب ما زال ماضياً في سياسة إلقاء الحجّة واستنفاد كل الخيارات لبلوغ تلك الغاية من هذا المنطلق كانت زيارة الوفد القيادي الى ميرنا الشالوحي وزيارة وفد نيابي برئاسة محمد رعد للرابية والاجتماع بالرئيس ميشال عون.

لكن رغم ذلك أخذ الحزب أخيراً يظهر أن هذا النهج قد بدأ يضيق بدليل عدم تجاوب الحزب مع طلب باسيل لقاء نصرالله إذا خلت لائحة الأسماء التي يقترحها للرئاسة المقبلة من اسم فرنجية. وهذا معناه لاتضيّع وقتنا ووقتك.

البعض يراها رسالة أولى تضع حداً بين مرحلتين وبالتالي صار لزاماً على باسيل أن يحسم خياراته والحزب بالانتظار أعدّ العدّة لكل الاحتمالات ولن يفاجئه أي احتمال إطلاقاً وإن كان باسيل يعلم أنه (الحزب) يتمنى أن يكون عنده مكان لتحويل التفاهم الى صداقة.