هزّات مصدرها لبنان.. متى تنتهي؟

هزّات مصدرها لبنان.. متى تنتهي؟

الكاتب: تالا غمراوي | المصدر: اساس ميديا

24 شباط 2023

في غمرة متواليات الزلزال المدمّر الذي ضرب الجنوب التركي والشمال السوري وارتداداته الكثيرة في شرق المتوسط، “أعلن المركز الوطني اللبناني للجيوفيزياء” في بحنّس التابع لـ”المجلس الوطني للبحوث العلمية” أمس الأول الأربعاء 22 شباط الجاري، حصول هزّتين متتاليتين في البحر قبالة الشاطئ الجنوبي. وقعت الأولى عند الساعة 18:43 بالتوقيت المحلّي على بعد 85 كلم من بيروت وبلغت قوّتها 3.5 درجات على مقياس ريختر، والثانية عند الساعة 18:58 على بعد 73 كلم من بيروت وكانت قوّتها 3.6 درجات. وسُجّل صباح اليوم التالي الخميس هزّة عند الساعة 6:23 قبالة شاطئ صيدا وقاربت قوّتها 3.6 درجات.

المصائب لا تأتي فرادى

ترك هذا البيان أسئلة عدّة وسط ارتفاع الخوف في نفوس السكان الذين ما يزالون يعيشون حالة من الهلع نتيجة الهزّات الارتدادية الناتجة عن الزلزال التركي – السوري المدمّر الذي هزّ لبنان ونزل كالصاعقة على اللبنانيين الذين تعبوا من واقعهم المعيشي والسياسي المدمّر بدوره.

أثارت كثرة الهزّات الأرضية وتتاليها الذعر في قلوب اللبنانيين الذين باتوا يردّدون: متى ستنتهي؟!

من جهتها، مديرة المركز الوطني للجيوفيزياء الدكتورة مارلين البراكس قالت لـ”أساس” إنّ “الهزّات الأخيرة التي حصلت مصدرها لبنان. وهي تحصل منذ مدّة. وهذه واحدة من موجاتها. والهزّة حصلت على الصفيحة الإفريقية، وليس هناك خطر من تسونامي نتيجة الهزّة”.

وأوضحت أنّ “الحركة الزلزالية المستجدّة يخشاها النّاس من جهة، لكن تطمئن علماء الجيولوجيا في منطقتنا من جهة ثانية، إذ يرون في زلزال 6 شباط تحرّراً كبيراً للطاقة سيريح المنطقة لسنوات آتية، من دون أن يعني ذلك أبداً أنّ الهزّات الخفيفة ستتوقّف، فقشرة الأرض في حركة دائمة، ولن تتوقّف”.

 

المصدر لبنانيّ

هذا أيضاً ما أكّده الخبير الجيولوجي عطا الياس الذي أشار إلى أنّ “الهزّة الأرضية التي ضربت لبنان حصلت في البحر غير بعيد من الشاطئ اللبناني، وهي بعيدة عن الفوالق التركية. والفوالق تتحرّك خلال الأيام العادية، وليس من المستغرب أن تتحرّك اليوم. وما حصل يأتي ضمن الهزّات الاعتيادية في لبنان، فخلال الـ24 ساعة الماضية وقعت هزّتان مشابهتان”.

وقال الياس إنّ “تحرّكات الفوالق طبيعية، وتعني أنّنا سنعود للهزّات الخفيفة التي كانت تحدث يومياً في لبنان منذ ما قبل الزلزال، وستبقى كذلك مئات السنين”.

بدوره شرح الخبير الجيولوجي البروفيسور ويلسون رزق أنّ لبنان يقع ضمن 3 فوالق جيولوجية أساسية، تتفرّع عنها فوالق جانبية عدّة، وأنّ الفوالق الزلزالية الرئيسية التي تمرّ بلبنان تتحرّك بشكلٍ دائم ومستمرّ، ولذلك سيكون لبنان سنوياً مسرحاً لهزّات أرضية تتدرّج قوّتها بين 3 و5 درجات على مقياس ريختر.

وأكّد رزق أنّ “لبنان حاليّاً ومستقبلاً سيشهد هزّات خفيفة جدّاً، إذ يُعدّ من البلدان التي تعرف نشاطاً زلزالياً. لذلك نرصد من 10 إلى 20 هزّة في لبنان يوميّاً بدرجة 2 إلى 3 على مقياس ريختر. لكن ما من أحدٍ يشعر بذلك”. وأوضح أنّ “المركز الوطني للجيوفيزياء التابع للمركز الوطني للبحوث العلمية يسجّل شهرياً ما بين 40 و60 هزّة، قوّتها أقلّ من 3 درجات على مقياس ريختر، ولا يشعر بها الناس. وهذا قبل أن يقع الزلزال في تركيا وسوريا”. 

 

حركة الأرض عادت إلى طبيعتها

أمّا الباحث في علم الجيولوجيا الدكتور طوني نمر فيرى أنّ “حركة الأرض في لبنان عادت إلى طبيعتها، أي إلى ما قبل 6 شباط، وستتابع حركتها، علماً أنّ في لبنان كانت تسجّل كلّ يوم هزّةٌ أرضية على أكثر من فالق في البرّ أو في البحر، معظمها خفيفة لا يشعر به اللبنانيون”.

وشدّد نمر على أنّه “ليس باستطاعة أحد تحديد متى سيحصل أيّ زلزال كبير في لبنان”. وشرح أنّ “على مدى التاريخ مرّ على لبنان عدّة زلازل مدمّرة، خصوصاً أنّه موجود على خط زلزالي، وهو فالق البحر الميّت. ويمكننا أن نقدّر على المدى البعيد إمكانية حصول زلزال. ففالق اليمّونة الذي يُعتبر الفالق الأساسي في لبنان، تتكرّر عليه الزلازل كلّ ألف عام تقريباً، ففي حين أنّ زلزالاً كبيراً ضرب هذا الفالق عام 1202، فإنّ المتوقّع أن يضرب زلزال آخر بحدود عام 2200، أي بعد مئة وثمانين عاماً من اليوم”.

واعتبر نمر أنّ “ما يحصل في لبنان لا يمكن وضعه في إطار الهزّات الارتدادية، لأنّ الهزّات الارتدادية تحصل على الفالق الأساسي، أي في تركيا. والفالق اللبناني متّصل بفالق الإسكندرون ويتأثّر به بشكل غير مباشر”، موضحاً أنّ “في تركيا حيث تحرّكت الأرض سيتابع الفالق حركته بشكل خفيف عبر الهزّات الارتدادية حتى تعود الضغوط الأرضية إلى طبيعتها. وذلك يحتاج إلى المزيد من الوقت الذي لا يمكن أن نتكهّن متى ينتهي”.

هل نخرج من المنازل؟

أمام هذا الواقع اعتاد اللبنانيون الخروج من منازلهم والتجمّع في ساحات مفتوحة فور شعورهم بهزّة. لكن هل هذه الهزّات تنذر بمخاطر داخلية؟

قال نمر: “الهزّات لا يمكن ضبطها. وخوف الناس يجب أن يحفّزهم فقط على أخذ الاحتياطات اللازمة:

– الكشف على المباني.

– التأكّد من سلامتها وعدم وجود تشقّقات فيها.

– وسوى ذلك من الإجراءات المتعلّقة بالسلامة العامّة.

– لا ضرورة للخروج من المنازل والسير في الطرق أو النوم في السيّارات”.

ظاهرة تراجع البحر

من جهة أخرى، شدّد مسؤول مركز علوم البحار الدكتور ميلاد فخري لـ”أساس” على أنّ “ظاهرة تراجع البحر هي ظاهرة طبيعية، نتيجة تموضع القمر والشمس والأرض. ولا علاقة لهذه الظاهرة بتسونامي”. وقال إنّ “تسونامي يأتي مباشرة بعد هزّة أرضية تصل إلى سبع درجات”.

هذا واستنكر الخبير الجيولوجي رزق الأخبار الكاذبة والتهويل الذي لا أساس له من الصحة، وخاصة ما تداوله ناشطون أخيراً عن انحسار مستوى مياه البحر، وأنّه ينذر بتسونامي مدمّر في لبنان، مشدّداً على أنّ كلّ ما ورد بعيد كل البعد عن الواقع. وأشار إلى أنّ “الفالق البحري الموجود في لبنان يتحرّك بشكل طبيعي. ولا علاقة للهزّات أو الزلزال الأخير بتراجع مستوى مياه البحر. فهناك الكثير من العوامل الطبيعية التي تؤدّي إلى تصدّعات في بعض الصخور البحرية”. واستغرب رزق ربط بعض من يطلقون على أنفسهم لقب “مختصّين” حركة الكواكب بالنشاط الزلزالي، مؤكّداً أنّها خرافات لا أساس علميّاً لها.

آثار متعدّدة

تعدّ الزلازل من أخطر الكوارث الطبيعية. وفي هذا الإطار قال الاختصاصي في علم النفس محمد عثمان لـ”أساس” إنّ “تأثيرها النفسي والجسدي على الأشخاص كبير، وإن بنسب متفاوتة، ويتوقّف ذلك على مناعة كلّ فرد النفسية ودرجة وعيه. فالكوارث الطبيعية تزلزل الغلاف النفسي للإنسان، وتوقظ مخاوفه المكبوتة وشعوره بعدم الأمان، فيفتقد حسّ الواقع ويعاني القلق والخوف والأرق وعدم القدرة على التركيز”.

وأضاف عثمان أنّ “أعراض الاضطراب النفسي تستمرّ بعد الزلزال ما بين أيام وبضعة أشهر، وتتضمّن الهلع والرعب والتوتّر واستعادة الذكريات المؤلمة، إضافة إلى الشعور بالعزلة والذنب وعدم التركيز والأرق ورؤية كوابيس. وعلى المدى الطويل قد يصاب الإنسان بالاكتئاب. وتتراجع آثار هذه الأعراض تدريجياً مع مرور الوقت والتأقلم مع الحدث المسبّب لها، من دون أن يمحي ذلك الذكريات المؤلمة، خاصة إذا تعرّض الشخص لمحفّز يذكّره بالصدمة”.