برّي فتح معركة فرنجية: أين المعارضة؟
الكاتب: سابين عويس | المصدر: النهار
4 آذار 2023
لم يكن أحد يتوقع أن يخرج الخطاب السياسي عن الأدبيات المعتمدة في التخاطب، أقله بين نواب منتخبين من الشعب. هل هو الإفلاس السياسي الذي أوصل مستوى التخاطب الى هذا الانحدار، أم هو التخبّط والعجز عن فرض أمر واقع، بعدما خرجت اللعبة السياسية عن توازنها ولم يعد لدى أيّ من القوى من أصحاب النفوذ القدرة على جرّ البلاد الى حيث يريدون، إلا عبر قلب الطاولة؟
مهما يكن السبب الذي يقف وراء السجال الذي شهدته البلاد في اليومين الماضيين على خلفية كلام منسوب لرئيس المجلس تعرّض فيه لنائب في البرلمان، فهو أكد حتماً أن القوى السياسية لم تخرج بعد من الحرب ومصطلحاتها، وأن لا أفق مفتوحاً أمام اللبنانيين لطيّ صفحة بائسة من تاريخهم، تمهيداً لمواكبة عالم جديد متغيّر سبقتهم إليه دول المحيط.
وبقطع النظر عن التداعيات السلبية لذلك السجال، فإن العودة الى جوهر الكلام والموقف الذي عبّر عنه، تؤكد أن السباق الرئاسي دخل مرحلة متقدمة جداً لجهة تحديد هوية المتنافسين، بعدما كشف رئيس المجلس الأوراق المغلقة، ووضع اللعبة على الطاولة، بعد أشهر من المناورات حول اسم المرشح الحقيقي والمعلن لتحالف الثامن من آذار بقيادة “حزب الله”، بإعلان بري ترشيح فرنجية، سقطت الورقة البيضاء، وبدأت عملية العد الحقيقية للأصوات الـ٦٥ التي ستأتي بفرنجية رئيساً للجمهورية.
بات واضحاً أن هذا الفريق قرّر الخروج من المرحلة الرمادية الى المواجهة، لأكثر من سبب، أولها أنه بات مقتنعاً بأن مرحلة التريّث وإتاحة الفرصة أمام “حرق” مرشح المعارضة النائب ميشال معوّض قد استُنفدت وانتهت. ثانيها أن مرحلة تطييب خواطر الحلفاء على الضفة المسيحية بزعامة النائب جبران باسيل قد بلغت نهايتها، وأن لا عودة الى الوراء، بعدما حسم رئيس “التيار الوطني الحر” قراره برفض تبنّي ترشيح فرنجية، كما أن مرحلة حرق أسماء المرشحين الآخرين وإنضاج ترشيح فرنجية قد نضجت بدورها. فالمرحلة الماضية خُصّصت لإسقاط المرشحين بالمواصفات والمعايير والأسماء، ولا سيما ترشيح قائد الجيش العماد جوزف عون، بعدما كان إعلان رئيس المجلس عدم اقتناعه بالتعديل الدستوري، ومن ثم إعلانه عدم رغبته في تكرار تجربة انتخاب الرئيس الأسبق ميشال سليمان، وأن الانتخاب سيكون بالنصف زائداً واحداً، رسالة واضحة بأن لا حظوظ لعون لأنه لا إمكانية لتأمين نصاب الثلثين المطلوب من أجل تعديل الدستور.
أما السبب الأخير ربما والأهم في خروج الفريق الآذاري من الرمادية الى المواجهة، فيكمن في الرغبة في اقتناص الفرصة المتاحة اليوم في ظل الانفتاح السعودي على سوريا، لتمرير انتخاب فرنجية المحسوب في الدرجة الأولى على دمشق قبل أن يكون نقطة تلاقٍ مع الحزب ومصدر ارتياح وثقة له.
ولكن هل تبنّي “حزب الله” وفريقه ترشيح فرنجية يعني أن أبواب بعبدا فُتحت في وجهه، خصوصاً أن هذا التبنّي يأتي من فريق واحد ولم تتبلور علناً مواقف المكوّنات الأخرى التي لا تزال تسر بأسرارها في الكواليس؟
دون وصول فرنجية مطبّات في طريقه الى بعبدا، منها ما هو داخلي ومنها الآخر ما يتصل بالخارج.
لا شك في أن اندفاعة بري نحو إعلان الترشيح استغلت استمرار الفراغ على مستوى المعارضة في الإعلان عن الخطة ب في حال فشلها في إيصال مرشحها. فبعد ١١ جلسة انتخاب تعذر على معوّض تحقيق رقم أصوات يقرّبه ممّا هو مطلوب للفوز، لم تكشف الأحزاب المسيحية المعارضة عن مشروعها البديل. فحزب “القوات اللبنانية” متريّث، فيما “التيار الوطني الحر” لم يتوصّل بعد الى الاتفاق على اسم مرشح. وكذلك هي حال حزب الكتائب المتريث أيضاً وإن ضمن مجموعة أسماء يجري تداولها من دون حسم لأحدها. حال النواب التغييريين ليست أفضل في ظلّ الانقسام والتشرذم في ما بينهم. وهذا الوضع لا يساعد المعارضة على أن تكون متماسكة وصاحبة موقف موحّد، الأمر الذي يجعل المتردّدين يميلون الى الضفة الثانية التي تبدي تماسكاً أكبر، ولا سيما أن مرشحها لا يشكّل استفزازاً للطبقة التقليدية التي تقيم وزناً لحساباتها ومصالحها.
يبقى الخارج عاملاً مهماً في ظل الموقف السعودي الثابت حتى الآن على رفض فرنجية من خلفية أنه مرشح الحزب. وهذا يعني أن حسم خيار السير بهذا الترشيح يبقى رهن التطورات الجارية في الإقليم، علماً بأن ثمة من لا يستبعد أن يؤدي الدفع باسم فرنجية على هذا النحو الى حرق الاسم تمهيداً للذهاب الى خيار المرشح الثالث.
السؤال الأخير، بعد “قنبلة” بري، هل سيربك رئيس المجلس الكتل النيابية بالدعوة الى الجلسة الـ١٢ لانتخاب رئيس، واضعاً الجميع أمام حسم خياراتهم، أم أن إعلانه الأخير ليس إلا فتح باب المرحلة الجديدة من التصفيات الرئاسية واستدراجات العروض الحاصلة حول الرئيس والمشروع الذي سيحمله والنظام الذي سيحكم عبره؟