السجالات العالية والحوار كمعبر إلزامي للحل

السجالات العالية والحوار كمعبر إلزامي للحل

يشعر اللبنانيون بالاختناق والخوف، والسياسيون منهم على وجه التحديد، باعتبارهم يتحملون مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع من صعوبات، وكل منهم يتحمل مسؤولية وفقا لحجم تأثيره، او قياسا الى مواقفه، وعلى هامش هذا الشعور المؤلم جاءت السجالات العنيفة التي حصلت بين رئيس مجلس النواب نبيه بري وفريقه السياسي والمذهبي من جهة، والمرشح الرئاسي النائب ميشال معوض وبعض مؤيديه من جهة ثانية، وقد ساهم التشنج في إطباق الخناق على أعناق اللبنانيين أكثر فأكثر، وبلغ اليأس من المستقبل حدود الحيرة.

عادة ما تشهد المقابلات الصحافية للشخصيات السياسية «قفشات» غير محسوبة، ومن حق صاحب المقابلة الاطلاع عليها قبل نشرها، كما أن مقتضيات المسؤولية المهنية للصحافي تفرض عليه أن يتنبه الى أي صياغة قد تحمل إهانات شخصية او ايحاءات جندرية او دينية، والغالب أن يتجنبها، بصرف النظر عن رأي صاحب المقابلة. وعند شخصية مرجعية مثل الرئيس نبيه بري، لا نعتقد أن القصد كان ممارسة تجريح شخصي بحق النائب ميشال معوض، بل كان المغزى أن يوصل رسالة تفيد بأن عملية ترشيحه شارفت على استهلاك ذاتها. والصحافي الذي نقل تعبير «التجربة الأنبوبية» كوصف لترشيح معوض، ينتمي تاريخيا الى مدرسة عايشت أيام الوصاية، وهو مقرب من أحد النواب الذي كان مديرا عاما لمؤسسة أمنية بارزة، وهو لا يحفظ أي ود للرئيس بري بطبيعة الحال.

السجالات من الفريقين تجاوزت الحدود المقبولة، والبلاد المبلية بمأساة قل نظيرها لا ينقصها توتر طائفي أو مذهبي، وإذا كان تعبير الرئيس بري المنشور خطأ واضحا، فان الرد المبالغ فيه من النائب ميشال معوض ومن النائب السابق ريشار قيوميجيان كان خطيئة.


الحوار بين القوى الرئيسية حول انتخاب رئيس للجمهورية خيار إلزامي لا بديل عنه لاعتبارات موضوعية، بصرف النظر عن الأحقية الوطنية، ومدى الحرص على مصلحة البلاد التي يؤمنها الحياد عن لعبة المحاور. والمبرر الواقعي للحوار، وجود كامل نواب الطائفة الشيعية الـ 27 ضمن فريق الممانعة، وبالتالي لا يمكن إيصال رئيس جمهورية من دون أن يحصل على أي صوت من نواب طائفة أساسية، وهي في ذات الوقت تعيش نشوة امتلاك فائض قوة من جراء حمل حزب الله للسلاح دون غيره من الأحزاب. وهذه الوضعية سبق للبطريرك الراحل نصرالله صفير أن ماشاها، عندما كانت قوى 14 آذار تمتلك الأكثرية النيابية، ورفض انتخاب رئيس من دون موافقة القوى الشيعية قاطبة، وصفير كان بمنزلة الأب الروحي لهذه القوى عام 2007.


الأحقية المنطقية تعطي خطاب القوى السيادية أفضلية على قوى الممانعة في الموضوع الرئاسي، لأنها تطالب برئيس مستقل، وليس محسوبا على محور يعاني برمته من حصار عربي ودولي، وعندها لن يستطيع الرئيس المنتخب تقديم أية حلول للأزمة القائمة. وقوى الممانعة تملك أحقية ايضا في فرض بعض من رأيها في الموضوع الرئاسي، ولكن هذه القوى قاسية جدا، ولا تتعاطى بمرونة مع استحقاق يعني كل اللبنانيين الملوعين من خطأ فادح ارتكبته هذه القوى عام 2016 عندما فرضت ميشال عون رئيسا قاد البلاد الى جهنم موصوف.

الخوف من الحوار حول الرئاسة له ما يبرره، ومن يخاف منه ـ خصوصا المسيحيين ـ يخشون من تكريسه كسابقة عند كل عملية انتخابية، ويخشون ايضا من أن يجر الحوار الى مناقشة مواضيع حساسة أخرى، ومنها على سبيل المثال: إعادة النظر بتقاسم السلطة. لكن هذه المبررات لا تلغي الأمر الواقع القائمة، وهو استحالة الوصول الى رئيس من دون تفاهم، ولأن أي من الفريقين لا يملك أكثرية كافية لانتخاب رئيس.

لم يبد الرئيس بري وفريقه مرونة في عملية الاتفاق على اسم رئيس مقبول من الجميع، لكن بري يبقى رغم كل الاعتبارات ضرورة وطنية ومعبرا الزاميا لترجمة أي تسوية قد يصل اليها الروس والقطريون والفرنسيون في المستقبل.


ناصر زيدان – الانباء