ما صحة الكلام الساري عن مسار حواري انطلق في الخفاء بين “حزب الله” والرياض؟

ما صحة الكلام الساري عن مسار حواري انطلق في الخفاء بين “حزب الله” والرياض؟

المصدر: “النهار”


ابراهيم بيرم


تتداول اوساط إعلامية وسياسية منذ فترة اجواء تتحدث عن اتصالات عبر وسطاء تتم بين “#حزب الله” والمملكة العربية #السعودية، واخرى تستشرف بناءً على هذه الاجواء احتمالات ان تُشرَّع في وقت غير بعيد نوافذ حوارية مباشرة بين هذين الطرفين ستفتح الافق المقفل على مساحات تفاهم يبنى عليها من شأنها ان تخفف “التصادمات” الحاصلة بينهما والتي تتردد اصدؤها على مساحة الاقليم توطئة لما يلي ويخفض منسوب الاحتدام الفارض نفسه منذ اعوام.


الآية الوحيدة التي يقدمها حاملو هذا الاعتقاد والمروجين له، برهانا على صحة ما يروّجون، هي ان الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله أبطل عامداً متعمداً منذ اربع اطلالات اعلامية اخيرة له لازمة اعتاد ان يبوح بها في كل اطلالة له وهي توجيه الحملات والهجمات المباشرة والصريحة ضد السعودية وسياستها تحت ذريعة انه يحمّلها تبعات كل الصراعات، وهو في آخر ظهور له تعمّد ألّا يذكرها بالاسم بل يلمّح اليها تلميحا وهو يتحدث عن انفجار بئر العبد الدامي الذي حصل في ثمانينات القرن الماضي واستهدف في حينه العلامة السيد محمد حسين فضل الله الذي كان يجري التعامل معه على اساس انه المرشد الروحي للحزب.

وليس من ينكر ان هذا المسار معاكس تماما لتوجه الحزب وخطابه التعبوي ضد الرياض، والذي علا منسوبه الى الحد الاقصى منذ الايام الاولى لاندلاع الحرب اليمنية.


معلومة الانفتاح الوشيك بين الرياض وعدوها الاكبر اوشكت لكثرة تداولها ان تنغرس حقيقة في الاذهان، خصوصا ان الطرف الاول المعني (الحزب) يلتزم كعادته الصمت فلا ينفي ولا يؤكد، فيما الطرف الثاني، اي الرياض، لا تكلف نفسها عناء الايضاح وازالة الالتباس ربما لانها تتحاشى مقاربة مختلفة لجدلية علاقتها بالحزب.


حدث هذا قبل ابرام اتفاق بكين الثلاثي (السعودية وايران والصين) المتوالي الاصداء، بأكثر من ثلاثة أشهر، لكن ثمة من بادر الى سبر اغوار معلومة قد تظهر له من المعطيات ما يفيد بان “السردية” كلها لا اساس متينا لها يمكن البناء عليه.


واكثر من ذلك، فان عملية السبر تلك بيّنت ان الامر يتغذى من حبلَي سرّة:


الاول، تمنيات يروّج لها بعض المتعطشين الى رؤية انفراجات تخرج الوضع اللبناني من تعقيداته وتولّد حالة انفراج.


والثاني، ان هذه المناخات المتسارعة في تفاؤلها تواكب تلقائيا جولات الحوار الجارية بين ممثلين عن الرياض وآخرين موفدين من حركة “انصار الله” التي يتزعمها عبد الملك الحوثي، علما ان كل الاجواء تشي بأن الطرفين جادّان في التوصل الى تسويات اولية (تبادل الاسرى) تفتح تلقائيا على آفاق انفراجية اوسع.


في الشكل، وبحسب المعطيات، فان قلة من المعنيين تكلف نفسها عناء التعمق في كل هذه الاجواء لان ثمة رغبة عارمة تساورها في تصديقها والقبول بها، لكن ذلك الاستنتاج، على بلاغته، لا يمكن ان يحجب حقيقة ان ثمة وجهاً آخر يتوارى خلف هذا “التبريد”، وان ثمة صراع ارادات يحتدم اكثر ما يكون بين كلا الطرفين في الساحتين اللبنانية واليمنية على حد سواء.


ففي الساحة الاولى لم يمر وقت طويل على حدث مسارعة الرياض عبر سفيرها في بيروت وليد البخاري وعبر إعلامها الى ابداء الاعتراض الصريح على ترشيح الثنائي الشيعي لزعيم “تيار المردة” سليمان فرنجية للرئاسة الاولى. وهي وإن ارسلت منذ زمن اشارات بهذا المعنى إلا انها حوّلت اعتراضها من نظري اعلامي الى خطوات عملانية بعدما جاهر الثنائي باسم فرنجية كمرشح رسمي ونهائي له.


اما على الساحة الثانية (اليمنية) فان لدى المتعاطين المباشرين بشؤونها وفي مقدمهم الرياض نفسها معطيات تثبت لهم ان “حزب الله” هو مَن يشرف عن بعد على مسار المفاوضات السعودية مع جماعة “انصار الله”، وان رأيه في هذا الصدد هو المرجّح، وان الحزب استطرادا ينطلق في هذا الاطار من فرضية الحرص الشديد على الورقة اليمنية نظراً الى ما سجلته خلال الاعوام الماضية ومن خلال الاعتراض على كل ما يمس بهذه الورقة وينزل من قيمتها حاضرا ومستقبلا.


وعليه، فان اطلاق اي مسار من مسارات التفاوض بين طرفين على هذا القدر من العداوة المزمنة ويخوضان غمار مواجهات واشتباكات مباشرة في خمس ساحات هي العراق والبحرين واليمن وسوريا ولبنان، يتعين ان يفضي الى خاتمتين:


– إما انه تتويج وتظهير لحوار جرى في الكواليس وخلف ابواب موصدة.


– وإما انه مسار انطلق واكتملت عناصره ليصير جاهزا لتوضع عليه اللمسات الاخيرة.


وثمة من جهة الحزب من يؤكد ان كلا الامرين غير متوافرين في الخدمة الى الآن، فضلا عن ان الرياض لم تعطِ الحزب اي مساحة طمأنينة تجعله يتشجع على مغادرة مساحة الشك والريبة الواقف على ارضيتها منذ زمن ليس بالقصير.


وفي المقابل، ثمة من يكشف ان الرياض لم تستشعر بعد اي ايجابية مشجعة في الملف الاكثر اهمية عندها وهو الملف اليمني، مع علمها ان السيد نصرالله هو من يشرف لحظة بلحظة على هذا الملف.


وفي سياق متصل، سرت اخيرا معلومة فحواها ان الرئيس نبيه بري يتحضر لزيارة الرياض ليبحث مع القيادة السعودية في الشأن اللبناني، ولاسيما ما يتصل بملء الشغور الرئاسي. إلا ان هناك من المعطيات ما يشي بأن لا فائدة تُرجى من زيارته المحكي عنها تلك إن لم يعد منها بدعم لمرشحه للرئاسة الاولى وهو فرنجية. فيكون بذا قد قطف مجددا المشهد برمته، اي الترشيح والحصول على تعهد من الرياض بسحب اعتراضها العلني على ترشيح فرنجية.

ولكن ثمة من زوار عين التينة من يُدرج الامر كله في خانة اظهار النيات الحسنة من جانب بري لان لا الرياض حددت له موعد زيارة لها ولا هي ابدت تراجعا ولو بالشكل عن معارضتها القديمة والثابتة لترشيح فرنجية.