معادلة المعارضة “رفض الفرض”… جعجع يستعيد خطاب بشير وهذه قراءة “التيار”
الكاتب: رولان خاطر | المصدر: النهار
25 نيسان 2023
يتطلّب المشهد الرئاسي اللبناني قراءة متأنية والابتعاد عن صخب المعارك الدعائية. في الأيام الأخيرة، برزت عدّة مؤشرات لا تشير بمعظمها إلى أنّ التسوية التي يُحكى عنها قد نضجت أو حتى بانت ملامحها، بدءاً بتصريحات وليد جنبلاط الأخيرة، إلى كلام الدكتور سمير جعجع اول من أمس، والأهم، إلى بيان الخارجية الفرنسية.
تكتيك فرنسي؟
المُعطى الأخير والأهم في سياق المعركة الداخلية اللبنانية، أوحى بإعادة قراءة يجريها الجانب الفرنسي لجهة تمسّكه بالترويج لرئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية والانتقال إلى ملامسة الرأي الداخلي والإقليمي الرافض أولاً لرئيس من محور الممانعة، والمتمسك ثانياً بشخصية تحمل مواصفات إصلاحية غير فاسدة لا مالياً ولا سياسياً.
الواقعية التي انتقلت إليها فرنسا، بحسب قريبين من الجانب الفرنسي، لا تعني حكماً تراجع الرئيس ايمانويل ماكرون وعدداً من معاونيه عن المطالبة بفرنجية، خصوصاً بعد تردّد معلومات عن أنّ جهات لبنانية مالية نافذة تضغط مع الدائرة المحيطة بماكرون لتسهيل الطريق من بنشعي إلى بعبدا، إنّما اصطدام الديبلوماسية الفرنسية بـ”لا” حازمة سعودية وحتى لبنانية من قبل شريحة واسعة، حتّم إجراء بعض التعديلات على المقاربة الفرنسية.
الثبات السعودي
ويقول عارفون بمجريات الملف الرئاسي، “للمرة الألف، لا مجال لتعديل “شعرة” في الموقف السعودي. المملكة العربية السعودية لا تفرض أسماء ولا تطالب بأشخاص، هي تترك الحرية للبنانيين لاختيار من يريدونه رئيساً، لكن لها أيضاً الحرية والحق في التعامل مع هذا الرئيس وفق ما تقتضيه مصالحها وتطلعاتها إلى سياسة المنطقة، من هنا، هي تتحدث عن شخصية تحمل مواصفات إصلاحية”.
ومن روحية هذه القناعات، أكد سمير جعجع أمس أن “السعودية لم تبدّل موقفها، هي لا تريد التدخل في الشؤون الداخلية ولم تطلب يوماً من أي نائب التصويت لمرشح معيّن، والمسؤولون هناك يقولون “سمّوا الرئيس الذي تريدونه وإذا أوحى لنا بالثقة فله منّا كل المساعدة لكن إذا رأينا أن محور الممانعة يسيطر عليه فلا تنتظروا شيئاً منا”.
من هنا، قد يكون هناك مراهنة كبيرة على الموقف السعودي الداعم بطريقة غير مباشرة لمواقف المعارضة اللبنانية، فتؤكد المعلومات في هذا الإطار، أن لا تراجع قيد أنملة عن الثوابت والمواصفات، وهي مواصفات تُجمع عليها المعارضة بكل تلاوينها، على رغم التشتت الحاصل حول الأسماء، والفريق الذي اعتاد الفصل في القرارات السياسية اللبنانية عليه أن يقتنع بالتبدلات التي تطرأ، أكانت إقليمية أو محلية، فلا مجال للقبول بأيّ تسوية تنقل مرشح “حزب الله” مجدداً إلى سدّة الرئاسة، تحت أي ظرف أو توازن قوى، أو تسخين في الشارع، وفعلاً لا مبالغة بالقول إنه “ع بعبدا ما بفوتوا”.
جوهر التسوية لم يتغيّر
هذه المواقف، لا تعني ارتفاع حظوظ النائب ميشال معوّض، أو وجود قدرة لدى المعارضة لايصاله، إنّما تعني أن التسوية تفرض وجودَ شخصية قوية في الحكم، لها القدرة على الحسم والجزم وتدوير الزوايا بشكل يحفظ سيادة القرار اللبناني واستقلاليته، ويؤمّن مصلحته الأمنية والاقتصادية والمالية، يفتح أبواب العالمين العربي والدولي، ويعيد الثقة إليه، شخصية تلتزم الميثاق والقوانين والدستور، تكون فوق كل الاجتهادات الاستثنائية والأعراف التي حاول البعض تكريسها في السنوات الأخيرة.
والأسماء التي تُطرح، كجهاد أزعور على سبيل المثال، أو صلاح حنين، أو غيرهما، رفضُها ليس مبدئياً أو سياسياً، بقدر ما تتطلبه المرحلة، أيّ المجيء بشخصية قادرة على المواجهة والصمود وإخراج لبنان من وضعه الحالي، والتي في كل الأحوال، ستنال هذه الشخصية دعم القوى المعارِضة ودعم الشرعيتين العربية والدولية”.
لا ضمانات ولا تراجع
أمّا الحديث عن ضمانات أو تعهدات يمكن أن يعطيها سليمان فرنجية، تستشهد شخصية معارِضة بكلام الدكتور جعجع أمس، “سليمان فرنجية قادر أن يلتزم بما يملك، لكن ماذا سيفعل بما لا يملكه؟ وإذا وصل سليمان فرنجية إلى رئاسة الجمهورية فمن سيمون على الآخر، فرنجية على حزب الله أو العكس”؟
“لذلك، لا ثقة، بضمانات “حزب الله”، فهو ليس جهة موثوقة، عند كل استحقاق مفصلي كان يقدّم أجندته على أيّ تعهد داخلي. أعطى ضمانات ولم يلتزم بها يوماً منذ ما قبل اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري مروراً باتفاق الدوحة حتى الآن”.
وتضيف: “من مستحيلات المعارضة التراجع عن المواصفات التي وضعتها، وإلاّ سقطت في فخ “الحزب”، وكما قال الشيخ سامي الجميّل، سيكون رضا الضاحية ملزِماً عند كل انتخاب لرئيس البلاد”. وتستكمل الحديث: “هذه المواصفات يجب أن تتجسّد بشخصية فذّة قوية وقادرة على “رفض فرض” الأجندات عليها. وهناك اتفاق متكامل وانسجام كلي لدى أغلب الفريق المعارض، ولا تراجع عنه، أنّ سلاح تعطيل النصاب سيتم استخدامه في حال تأمّن 65 صوتاً لمرشح محور الممانعة”.
من هنا، يعود اسم قائد الجيش كشخصية مُثلى التي تنطبق عليها هذه المواصفات، لكنّ المشكلة الأساس الحاجة لـ86 نائباً لتعديل الدستور، وهذا لن يتأمّن باتفاق إرادي داخلي، إنّما بتسوية إقليمية ستدفع أطراف الداخل لتعديل الدستور “لمرة واحدة”، وانتخاب قائد الجيش.
بشير يعود بكلام جعجع
ويدور في كواليس الفريق المعارض أسئلة مشروعة، عن سبب إصرار باريس على فرنجية؟ وإذا صحّ ما يتردّد عن وجود ترتيبات فرنسية على شكل مصالح وتلزيمات، إن في النفط والغاز أو في مرفأ بيروت أو طرابلس، أو في البريد والاتصالات وغيره، فلماذا لا يكون ذلك عبر الطريق الشرعية اللبنانية؟ لذلك، قالها سمير جعجع بوضوح هذه المرّة، “إذا كانت فرنسا تريد مرشحاً معيّناً لرئاسة الجمهورية، فليترشح هذا الشخص للانتخابات الرئاسية الفرنسية عندما تنتهي ولاية الرئيس إيمانويل ماكرون”.
وهنا، تذكّر شخصية من قوى 14 آذار بخطاب الرئيس بشير الجميل في 23 آب 1982 يقول فيه “اذا كانت أميركا تريد رئيس جمهورية في لبنان ليمرّر مصالحها وخططها واعتباراتها ومصالحها… فلينتخبوا هذا الرئيس في أميركا وليس في لبنان. واذا كانت سوريا تريد رئيساً لها في لبنان، يستطيع المجلس النيابي السوري أن يعيّن هذا الرئيس في سوريا وليس المجلس النيابي اللبناني، وهذا لن يكون رئيس لبنان”. بمعنى أوضح، لا نريد “رئيس مرتّ” يمرّر مصالح العالم قبل مصالح لبنان، ويجب أن نكون مهيّئن لهذا الاحتمال ومواجهته، ولن نقبل إلا بأن يكون الرئيس المقبل لبنانياً، قبل أن يكون فرنسياً أو إيرانياً أو سورياً أو أي شيء آخر”.
جعجع يريد إسقاط النظام؟
في حديثه أمس، يقول سمير جعجع: “الأزمة الحالية دفعتنا للبحث حقاً في تركيبة النظام، وبالتالي علينا التوقف عند كل ما حصل لنصل إلى حقيقة واضحة أن هذه التركيبة “مش ظابطة” وعلينا البحث بها. لماذا لا يمكننا الذهاب إلى تركيبة مشابهة لبلجيكا مثلا؟ المطلوب هو أبعد من لامركزية إدارية، وعلينا البحث جميعاً بالتركيبة الجديدة”. وتعليقاً تقول الشخصية المعارِضة: “كنا قبلاً نعارض دعوة البطريرك الماروني إلى الحياد انطلاقاً من أن تحقيق هذا المبدأ يتطلّب عملاً طويلا ودؤوباً وتوافقاً بين معظم المكونات اللبنانية، لكننا لم نعارضه في الجوهر، واليوم، نتطلّع إلى ما يقوله الدكتور جعجع والنائب سامي الجميل والكثير من الأطراف المسيحية، لنقول، قد يكون هذا هو الصح، لكن كيف وبأيّ قدرة. فلنواجه “حزب الله” ومشروعه، بصف موحّد متماسك، ولاحقاً لكلّ حادث حديث”.
“التيار الوطني الحرّ”
لا يرى “التيار الوطني الحرّ” تبدّلاً في مواقف الأطراف السياسية ولا إيجابية، لملاقاة التيار في منتصف الطريق لإنتاج الحلول.
ويقول النائب أسعد درغام لـ”النهار: “نحن في مأزق حقيقي لكيفية الوصول إلى انتخاب رئيس، كل طرف متمسك بموقفه، ولا نية حقيقية للأطراف المعنيين بالتلاقي منتصف الطريق وهذا يعقد الأمور ويؤخر عملية انتخاب رئيس للبلاد”. ويضيف: “الدكتور سمير جعجع متمسك بموقفه كذلك الثنائي – الشيعي، رغم ذلك مستمرون بمدّ أيدينا للحوار للوصول إلى تسوية أو اتفاق على اسم رئيس يحمل مشروعاً إنقاذياً للبلد، على المستوى الاقتصادي والمعيشي، قادراً على فتح حوار وطني ينتج برنامجاً إصلاحياً للبلد”.
وعن عدم أخذ “التيار الوطني الحر” بما سمّاها سليمان فرنجية ضمانات، وسبب التعبئة ضده، يؤكد درغام أن “لا خلفية شخصية ضد فرنجية، بل رفضه يتعلق بالسياسة وبالبرنامج والقدرات الإصلاحية للرئيس المقبل، خصوصاً أنه كان لدينا رئيس يملك كل المواصفات والقدرات التي تخوله تطبيق هذا البرنامج إنما فقدان الدعم الخارجي له وخصوصاً الخليجي والأميركي منعه من تنفيذ البرنامج الإصلاحي الذي كان يحلم به “التيار الوطني الحر”. هذا لا يعني انتقاصاً من قيمة سليمان فرنجية، إنما الأساس هو الاتفاق على شخص يحمل مشروعاً إنقاذياً وإصلاحياً ويحظى بدعم إقليمي ودولي في آن، لأن لبنان في أزمة لا يمكن أن يخرج منها من دون هذا الدعم”.
وعن بيان الخارجية الفرنسية، يعرب درغام عن اعتقاده بأن “أولويات الفرنسيين انتخاب رئيس للجمهورية وليس انتخاب شخص محدّد على حساب آخر”. ويرى أن الأسباب التي تدفع الفرنسيين إلى اتخاذ مواقف معينة، هو تشتت الموقف المسيحي في لبنان وعدم وجود اتفاق بينهم على مرشح معين. فعدم اتفاق المسيحيين يفتح المجال أمام اللاعبين الدوليين والإقليميين للتدخل في الملف اللبناني، وبمجرد حصول هذا الاتفاق، الأمور تتبدّل، وسيفرض أمراً واقعاً يصعب على أيّ لاعب داخلي أو خارجي تخطيه”.
ويذكّر بأن “التيار الوطني الحر” عمل ولا يزال لتحقيق هذا الموقف، وهو أعلن سابقاً رغبته بزيارة معراب للبحث الجدي في الملفات الخلافية مع القوات اللبنانية، لكن، أي عملية حوار تتطلب موافقة من طرفين وليس من طرف واحد”.
ورداً على ما قاله الدكتور جعجع أمس، ان “لا مجال للعودة والاتفاق مع جبران باسيل إلّا إذا قرر انتخاب مرشحنا”، يقول درغام: “لا يمكن الحديث عن حوار بشروط مسبقة ومواضيع مفروضة سابقاً، عملية التحاور تكون من دون قيد أو شرط، كلّ طرف يطرح ما لديه من مطالب وأفكار ومشاريع، ونتيجة هذا التحاور، يمكن القول عندها إنّه تم الوصول إلى اتفاق أو اختلفنا في الوصول إلى اتفاق معين”.
وعن الحديث المسيحي عن إعادة النظر بتركيبة النظام، يؤكد درغام أن “أي عاقل في لبنان اليوم فقد الثقة بالنظام وبالتركيبة، وعلينا أن نملك الجرأة للمطالبة بإعادة صياغة نظام جديد عماده الدولة المدنية واللامركزية الإدارية والمالية الموسعة. “ما بقى نتخبى ورا إصبعنا”، النظام يحتاج لإعادة بحث، هو مات، ولم يعد بالإمكان إحياؤه”.