لبنان ليس طرفاً باتفاقية جنيف للاجئين وغير ملزم بها… أبو كسم: السوري في لبنان مهجر وليس نازحاً

لبنان ليس طرفاً باتفاقية جنيف للاجئين وغير ملزم بها… أبو كسم: السوري في لبنان مهجر وليس نازحاً

الكاتب: كلوديت سركيس | المصدر: النهار

8 ايار 2023


ع تصاعد أزمة الوجود السوري في لبنان، يرى الأستاذ في القانون الدولي البروفسور أنطونيوس أبو كسم أن تصنيف الدولة الوجود السوري في لبنان “نازحين”، هو توصيفٌ قانونيٌّ خاطئٌ بحسب القانون الدولي. فالنازحون هم الأشخاص المشرّدون داخل بلدهم والذين لم يجتازوا حدوداً دوليّة. وميّز في التوصيف القانوني الرعايا السوريين في لبنان بين”المهجرين” من سوريا الذين هُجِّروا قسراً جراء الحرب وبين “المهاجرين الاقتصاديين” الذين غادروا سوريا لأسباب اقتصادية بغية العمل وتحقيق أرباحٍ مادية.


ويقول لـ”النهار” أن لبنان وسوريا دولتان مستقلتان عن بعضهما البعض، لا شعب واحد في بلدين، ولا شعبان في بلدٍ واحد، وبالتالي فإن لبنان ليس مقاطعة سورية لاستعمال مصطلح النازحين، فللبنان حدود دوليّة، وتوصيف المجتمع الدولي الرعايا السوريين في لبنان الذين هُجِّروا أو تَهجروا أو الذين هاجروا لأسباب اقتصادية “كلاجئين” هو أمرٌ خاطئٌ ومخالف للقانون الدولي. أولاً، لأنّ الجمهورية اللبنانية ليست طرفاً باتفاقية الأمم المتحدة لعام 1951 المتعلقة بوضع اللاجئين، ثانياً، لأنّ توصيف حالة المهاجرين السوريين لا تنطبق على توصيف اللاجئ. وبالتالي، فإن هذه الاتفاقية وبروتوكولها للعام 1967 غير مُلزمَين للبنان ولا يجب أن يُرتّب أي آثارٍ قانونية عليها”.


المشكلة الأساسية والأهمّ، في رأي أبو كسم، تكمن في تعاطي الدولة مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وكأنّ لبنان دولةٌ طرفٌ في اتفاقية جنيف للعام 1951، منبهاً أن استمرار التعاون مع المفوضيّة، سيعطي للمهجرين السوريين حقوقاً مكتسبة. وفعلياً، أن الدولة اللبنانية رضخت ضمنياً لتطبيق هذه الاتفاقية، حيث بدأت تعتمد مصطلحات الاتفاقية والمفوضية كمصطلحي “الإدماج” و”العودة الطوعية والآمنة” خلال مخاطبة المفوّضية والمجتمع الدولي، ناهيك عن التنسيق مع وزارة الشؤون الاجتماعية اللبنانية وخطط الاستجابة LCRP التي تنفذها الوزارة.


ويقول “إنّ رضوخ الدولة لمفوضيّة اللاجئين وتطبيق الاتفاقية بشكل ضمني، قد يؤدّي في النهاية إلى تنفيذ موجب منح الجنسية للمهجّرين السوريين وتسهيل تجنّسهم، ويجعل الحصول على الجنسية اللبنانيّة حقّاً مكتسباً لكلّ مهجّر، تطبيقاً لأحكام المادة 34 من اتفاقية الأمم المتحدة للاجئين”. وعلى المستوى القانوني يلفت إلى أن “توطين الرعايا السوريين وغيرهم يشكّل خرقاً للدستور اللبناني وتدخّلاً بالشؤون الداخلية اللبنانية، ما يتعارض مع الفقرة “ط” من مقدّمة الدستور التي تؤكّد على رفض التوطين. إضافةً إلى أن هذا الأمر يعرّض لبنان لخلل ديموغرافي يناقض ميثاق العيش المشترك ويشكّل خرقاً للفقرة “ي” من مقدّمة الدستور، التي تؤكّد أن لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه (فقرة أ)”.


وعن اطّراد تواجد المهجرين والمهاجرين السوريين يضيف: مرّ أكثر من 12 عاماً على هذا التواجد الطارئ والمطّرد، حتى تعدّى عددهم المليونين ونصف المليون، في بلدٍ مواطنوه الأصليّون المقيمون حالياً لا يتجاوز عددهم الثلاثة ملايين بأحسن الأحوال. إن هذا التواجد يشكل أزمة ميثاقية دستورية مجتمعية سياسيّة اقتصاديّة ديموغرافيّة عميقة، بعيداً عن كلّ أشكال العنصريّة والتمييز. وقد بدأت الأزمة تتفاقم جرّاء التوصيف القانوني الخاطئ لهؤلاء المهجرين أكان من قِبَل الدولة اللبنانية، أو من قِبَل المجتمع الدولي”،


ويشدّد على أن “خطورة الأمر تكمن في أن هذا الخلل الديمغرافي يؤدّي إلى تغيير هويّة المجتمع السياسي، ويفرض على لبنان عقداً اجتماعياً جديداً مناقضاً لاتفاق الطائف، وقد يؤدّي إلى استبداله جذرياً. فلا يمكن تطبيق الطائف على عقد اجتماعي جديد مناقض لمبادئه الرئيسة وركائزه المنصوص عنها في مقدّمة الدستور اللبناني. إن سعي المجتمع الدولي لتوطين المهجرين السوريين هو سعي لتغيير هويّة لبنان والعقد الاجتماعي اللبناني، وسعياً لتغيير اتفاق الطائف بطريقة ملتبسة وضمنيّة. إن الضغط لتوطين الأشقّاء السوريين في لبنان، ليس إلّا مشروع فتنة مذهبيّة قد تدمّر صورة لبنان، ولا تؤدي إلّا إلى هجرة باقي اللبنانيين والمسيحيين خصوصاً، ويبدو واضحاً أن للمجتمع الدولي، والأوروبي تحديداً مصلحة بتوطين الرعايا السوريين في لبنان للحدّ من هجرتهم إلى الدول الأوروبية. إن ضغوط المجتمع الدولي بهدف تجنيس الرعايا السوريين في المستقبل القريب، قد يقلب المقاييس الديموغرافية في لبنان، ما يؤدي حتماً إلى صراعٍ مذهبي لا تُحمد عقباه. والمفارقة، أن اتفاق الطائف يهدف إلى انسحاب الجيش السوري وليس ضمّ لبنان كمحافظة سورية جديدة، أو قضم جزء من الأراضي اللبنانية ذات أغلبية سوريّة. فهل الوجود السوري الكثيف في لبنان، قد يؤدّي بهم في المستقبل إلى المطالبة باستقلال ذاتي على النَّسَق الروسي-الأوكراني؟”.


ويعزو أبو كسم تراخي الدولة في التعامل مع هذه المشكلة إلى “ضعف النظام اللبناني بسبب الخلاف على السلاح وعلى إدارة الدولة وتقاسم الحصص، يتصرّف المجتمع الدولي كوصيّ على لبنان، وصولاً إلى انتزاع حقّ تقرير مصيره. فهذه الخطّة الدولية بشأن اندماج المهجرين السوريين قوبلت بخنوع لبناني وبانقسام حيال هذه المسألة. فارتكب لبنان وما زال يرتكب أخطاء متكررة ومستمرة بإدارة الملف. تورّط لبنان بالحرب السورية، فكان استثماره خاطئاً، فشرّع الأبواب لاستقبال المهجرين والمهاجرين. والأخطر، في رأيه، هو التعاطي خارج أطر القانون الدولي مع مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، وخارج نطاق النظام القانوني اللبناني. إذ إن لبنان كان قد أبرم مذكرة تفاهم مع مفوضية اللاجئين سنة 2003 اقترنت بموافقة مجلس الوزراء وتمّ نشرها في الجريدة الرسمية.


فذه الاتفاقية تنصّ صراحة على أن لبنان لا يشكّل بلد ملجأٍ لأيّ طالب لجوء، ولا يستطيع إعطاء حقّ الملجأ إلّا بشكل موقت، على أن تتعهّد المفوضية بنقل طالبي الملجأ إلى بلد آخر خلال سنة كأقصى حدّ. وسأل “لماذا لا تلجأ الدولة اللبنانية إلى إنفاذ هذه الاتفاقية الثنائية؟ فحريٌّ بالدولة اللبنانيّة ومفوضية اللاجئين التقيّد بتطبيق هذه الاتفاقية النافذة والواجبة التطبيق بمطالبة هذه المفوّضية تنفيذ موجب نقل كافّة طالبي حقّ الملجأ إلى دولٍ أخرى وليس دعمهم بغية اندماجهم في المجتمع اللبناني وتوطينهم خلافاً للدستور اللبناني، وفق أبو كسم.


ويفسر التذرع بوجود معوّقات سياسية واقتصادية واجتماعية لعودة المهجرين السوريين بأن “المجتمع الدولي يضغط باتجاه أن تكون عودة المهجرين السوريين إلى ديارهم طوعيّة، ويشجع على بقائهم في لبنان ويسعى لإدماجهم في المجتمع اللبناني. وبالمقابل، فإن النظام السوري غير مشجع لعودتهم لأسباب ديموغرافية وسياسية واقتصادية واستراتيجية. وما يشجّع على عدم تسريع العودة، الانقسام في الموقف الرسمي اللبناني. وما يشكّل خطراً، هو مؤشّر عدم دعوة لبنان إلى اجتماع عمان، والذي تكلم عن اللاجئين والنازحين داخلياً، والذي إعتبر كل سوري خارج سوريا بمثابة لاجئٍ، أما النظام السوري فبطور البحث عن ثمن قبول عودة المهاجرين السوريين إلى الأراضي السورية، مستقرئاً أن الامتداد السوري في العمق اللبناني (حيث الأغلبية من السوريين موالية للنظام) قد يشكّل حماية للنظام في سوريا”.


ويقول أبو كسم: “لقد أصبح الوجود السوري في لبنان يشكّل ورقة مفاوضات قوية بيد النظام السوري، لن يفرّط بها، ورقة رابحة تخوّله المقايضة على ملفات سورية داخلية وقضايا إقليميّة. وبالمقابل، شهدنا إدارة لبنانية سيئة للملف قائمة على تأجيل الاستحقاق وعلى مبدأ الإرباك والانفصام بالشخصية تجاه التعاطي مع الحكومة السورية. ما أوصلنا إلى مأزق كبير قريب من الارتطام، داعياً الدولة اللبنانية إلى “البحث عن حلّ لبناني سوري على وقع المفاوضات السورية السعودية، قائم على مبدأ سحب فتيل أي صراع مستقبلي محتمل سني شيعي، أو لبناني سوري، خصوصاً وأنّ خطاباً يستند إلى الكراهية بدأ يسيطر على الرأي العام اللبناني، والى الاستفادة من الإجماع الوطني المستجدّ حول الموضوع وموقف المملكة العربية السعودية المتقدّم بشأن عودة المهجرين السوريين، والتيقّظ من عدم الانجرار إلى نزاع مسلح وزجّ الجيش في نزاعٍ قد يجعل من لبنان سودانَ ثانية” .


وفي رأيه، “حان الوقت لحوارٍ وطنيّ حول هذا الملفّ الوجودي، من أجل وضع خارطة طريقٍ تستند إلى تطبيق الاتفاقية الثنائية المعقودة بين الدولة اللبنانيّة ومفوضية اللاجئين ومطالبة الأخيرة بالشروع بنقل جميع طالبي حقّ الملجأ إلى دولٍ أخرى وليس دعمهم بغية اندماجهم في المجتمع اللبناني بهدف توطينهم خلافاً للدستور اللبناني، والسعي لاحترام كرامة المهجرين السوريين عبر إعادتهم إلى ديارهم ليمارسوا دورهم الديمقراطي حيث لهم الحقّ بتقرير مصيرهم على أرض وطنهم، ومناقشة عودة المهجرين مع الحكومة السورية، والبحث مع المجتمع الدولي في إنشاء مناطق آمنة ومحميّة ومنزوعة من السلاح تطبيقاً لاتفاقية جنيف الرابعة للعام 1949 والبروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف كالمنطقة الآمنة التي أنشأها مجلس الأمن في العام 1991 جراء النزاع المسلح العراقي – الكويتي، والاتفاق بين قوات حفظ السلام الأممية والصرب للعام 1993 بشأن سريبرينيتشا وزيبا، إنشاء خلية دبلوماسية من شأنها الدفع لاستصدار قرار صادر عن مجلس الأمن لعودة المهجرين السوريين الموجودين في لبنان إلى ديارهم يلزم الدول المعنية بإنفاذ هذا القرار، ومناشدة المجتمع الدولي تطبيق قرار مجلس الأمن 2139 لناحية مبدأ تقاسم الأعباء واستقبال المهجرين السوريين تناسباً مع طاقة كلّ دولة، وحثّ مجلس جامعة الدول العربية – خلال القمّة التي ستعقد في الرياض – استصدار قرار يطلب بموجبه عودة المهجرين السوريين إلى بلادهم والطلب من الدول العربية تقاسم أعباء الهجرة السورية”.


ولجهة عدم وجود داتا مع الدولة بعد 12 عاماً على الوجود السوري في لبنان، رد أبو كسم هذا “التقصير الرسمي إلى مصالح سياسية وماليّة”، معتبراً أن “ملف المساعدات المخصّصة للمهجرين السوريين هو من أكبر ملفات الفساد في لبنان، وإذا تمّ فتح هذا الملف، فإن رؤوساً كبيرة ستكون عرضة للمحاسبة. إلّا أن هؤلاء يستظلون بمصلحة المجتمع الدولي دمج المجتمع السوري المهجر بالمجتمع اللبناني الذي يعاني هجرة شبابه. كما أن هناك تقصيراً في التشريعات حيال هذا التواجد الطارئ والمطّرد، أكان لناحية تشريع دخول المهجرين السوريين ذات فئات متعدّدة أو لناحية قوانين العمل، وفرض الضرائب والمطارح الضريبيّة”.


أما عن التدابير التي اتخذت عبر البلديات جرّاء عودة المهجرين فقد “استفاق بعض المسؤولين اللبنانيين لممارسة صلاحياتهم، واتخاذ تدابير بعضها جيّد ولو جاء متأخراً. إلّا أن الخشية من تطبيق هذه التدابير خلافاً للقانون الدولي لحقوق الإنسان، كاحترام موجب عدم الطرد، وعدم تحميل المهجرين السوريين أخطاء سياسة الحكومة اللبنانية والانجرار إلى خطاب الكراهية والتمييز وتنمية مشاعر العنصرية”، داعياً الجهات “الرسمية، إلى تطبيق القانون من دون استنسابية واستثناءات. لأن اجتزاء الحلول على المستوى المحلّي لن يؤدي إلى الفائدة الكبيرة، آخذاً على الحكومة أنها “لم تعمد إلى حلّ الملف عبر إعادة النظر بـِ”معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق” مع سوريا، وإقرار تشريعات جديدة لحلّ نتائج الوجود السوري في لبنان كمشكلة الأطفال السوريين المولودين في لبنان ومكتومي القيد، وضبط الحدود الجوهرية من الجيش.


وأدرج أبو كسم الإثارة المفاجئة لموضوع الوجود السوري في لبنان في خانة “الصراع المسلّح في سوريا لصالح النظام، وعودة العلاقات العربية تدريجاً مع سوريا، ووقع الأزمة الاقتصادية على اللبنانيين ومستوى البنى التحتية العاجزة عن استيعاب هذا الكمّ من المستهلكين. و الإيجابي في الأمر الإجماع اللبناني على الخشية من تحوّل الهجرة السورية في لبنان إلى احتلال ضمنيّ جرّاء الوجود الدائم”، مشدداً على أن “من واجبات الجيش اللبناني حماية الحدود الدوليّة للبنان، وبالتالي له اتخاذ أية تدابير من شأنها المحافظة على السيادة الوطنية، من ضمنها ضبط الحدود وتطبيق القانون”.