من أين يستمدّ المطلوبون اللبنانيّون وقاحتهم؟

من أين يستمدّ المطلوبون اللبنانيّون وقاحتهم؟

الكاتب: سناء الجاك | المصدر: نداء الوطن

20 ايار 2023

يحتل لبنان المرتبة الأولى للائحة المسؤولين اللبنانيين المعاقبين والمطلوبين للعدالة والمتهمين بالفساد وبالتورط في الاغتيالات وجرائم أخرى. ولعل هذه اللائحة تسجل الرقم القياسي في موسوعة غينيس… لا سيما وأنّ الأسماء الواردة فيها مرشحة للازدياد.

ومع قرار القضاء الفرنسي بإصدار مذكرة توقيف دولية بحق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، يضاف اسم جديد إلى اللائحة، ليأتي رد فعل الحاكم بأنه «مستمر في منصبه حتى نهاية ولايته آخر تموز المقبل، وأنّه يرعى الاستقرار النقدي والمصرفي، واعداً برد الودائع لأصحابها». وكأنه بذلك يهدد المودعين ويبتزهم، بأن إقالته ستؤدي إلى نسف هذا الاستقرار المهزوز وضياع أموالهم… وإلى الأبد.

وسلامة، وإن كان آخر الأسماء المرتكبة، وليس خاتمة المطاف بالطبع، إلا أنّ سلوكه لا يختلف عن سلوك المطلوبين من السياسيين، الذين يواصلون مسيرتهم، غير عابئين بالقضاء المحلي والدولي ولوائح العقوبات. وكأنهم يستمدون قوتهم ووقاحتهم من كونهم يعيشون في لبنان حيث لا قانون ولا ملاحقات إلا للصوص الصغار ممن يسرقون كابلات الكهرباء أو خزنات المنازل… لأنهم غير المشمولين بحماية المنظومة ومن يتحكم بها.

فلبنان على ما يبدو، أصبح «جنة المطلوبين للعدالة والمجرمين المدانين» حيث يعيش هؤلاء في رفاه وعز وأمن ذاتي، ويتنعمون بالأموال المنهوبة، ولا من يسأل أو يلاحق… والحجة حاضرة مع عبارة «تعذَّرَ إبلاغه» الكفيلة برفع العتب.

وسلامة كما غيره من المطلوبين، ظهره محمي، لأنه فرد من فريق عمل جماعي يتطلب مشاركة وتوثيق صلات، وتحديداً بين أفراد وجماعات مصادر قوتهم هي في كونهم فوق المحاسبة، ولديهم مهارات نادرة تضعهم في خانة المحترفين الذين يجيدون التلاعب بالقانون.

لذا جاء قوله إنّ «من يهاجمه لا يجرؤ على مهاجمة السياسيين، داعياً القضاء للبدء في التحقيق مع السياسيين قبل التحقيق معه». وفي هذه الجملة المفيدة جداً تأكيد على تورط السياسيين والقضاة والسلطة الأمنية في آن معاً، وفيها أيضاً تلويح بأنّه حاضر لكشف المستور إن تجرأ أي مسؤول ورفع عنه الغطاء ليطبق القانون بحقه.

حينها قد تنهار أحجار الدومينو… انطلاقاً من مبدأ «عليّ وعلى أصدقائي وشركائي» في الجرائم المالية المتراكمة وملفات الفساد المخيفة التي أطاحت باقتصاد البلد، بالتالي فإنّ عملية الإطاحة به ستصل حتماً إلى أصحاب المصالح المتساكنين تحت خيمة الود الانتفاعي، والأوفياء لقواعد الفساد والإفساد اللبنانية.

وبالطبع، سينصاع السياسيون الغارقون في حرام المال العام ويحفظون رؤوسهم، ويحافظون على الحاكم حتى آخر دقيقة من وجوده في مركزه، كما يحرصون على عملية تهريبه من المحاكمة والحساب، بأي وسيلة ممكنة، لأنهم يخافون على جلودهم.

أما عن «تهديد علاقات لبنان بالمؤسسات المالية الدولية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي، وامكان تعرض لبنان لعزلة مالية إذا قررت المصارف المراسلة التوقف عن التعامل مع قطاع مصرفي ونقدي على رأسه حاكم متهم بتبييض الأموال»، فتلك مسألة أخرى، قد يكون الزمن كفيلاً بحلِّها وفق مصالح الكبار التي لا يوقفها تفصيل متعلق بفاسد من هنا ومجرم من هناك وديكتاتور ومنظمات إرهابية.. وهذه المرحلة حافلة بأمثلة على هذا الصعيد.

لذا لا يبدو مستغرباً أن يستمد المطلوبون اللبنانيون من علية القوم وقاحتهم وثقتهم استناداً إلى الشراكة الراسخة في سرقة المال العام، وأن يحافظوا على نبرة استفزازية مع امتلاء بالاطمئنان والاحتقار لكل من يتهمهم، وكأنهم واثقون من أنّ لديهم القدرة من خلال التوازنات الدقيقة للمنظومة، على التملص من الأدلة، بما يحول دون الاقتصاص العادل منهم لتورطهم في إفلاس البلد وحرمان الناس من حقوقهم ومن أمانهم المعيشي.