قمة جدّة تقيّد “اجتماعات باريس”: إطالة أمد الفراغ…ال”حزب” يتشدد رئاسياً بعودة النظام السوري!

قمة جدّة تقيّد “اجتماعات باريس”: إطالة أمد الفراغ…ال”حزب” يتشدد رئاسياً بعودة النظام السوري!

الكاتب: ابراهيم حيدر | المصدر: النهار

22 ايار 2023


انعقدت رهانات كثيرة على أن تشكل القمة العربية في السعودية حاضنة للبنان لانجاز استحقاقاته الدستورية، لكنها تلاشت سريعاً قبل ختامها وصدور إعلان جدة الذي تضمن في بنوده فقرة خجولة مكرّرة سابقاً حول التضامن مع لبنان وحضّ كل الأطراف اللبنانية على “التحاور لانتخاب رئيس للجمهورية يرضي طموحات اللبنانيين وانتظام عمل المؤسسات الدستورية وإقرار الإصلاحات المطلوبة لإخراج لبنان من أزمته”. الأجواء التي سادت في القمة أسقطت الرهانات كلها، إذ أن لبنان ظهر كحلقة ضعيفة وهو لم يكن من أولويات القمة، ليتضح أن النقاش الجدي حول الوضع اللبناني لم ينضج أو لم يصل إلى مرحلة تستدعي الضغط انطلاقاً من محصلة عربية وإقليمية بتوازنات جديدة تطرح قضاياه على بساط البحث.


جاء التذكير العربي بضرورة انتخاب رئيس للجمهورية، ليعيد الامور إلى نقطة الصفر، فلا مبادرة عربية تدفع نحو الحل، بل مزيداً من الاستقالة وعدم الاهتمام بلبنان، ما يطرح تساؤلات عن استمرار التحرك العربي والدولي الذي قادته فرنسا في اجتماع باريس الخماسي في 6 شباط الماضي، واستكمل باتصالات ثنائية مع السعودية حول مشروع مقايضتها، لكن كل ذلك عُلق نتيجة الخلافات وإعادة الامور إلى الداخل اللبناني باستعصاءاته وتعقيداته التي تقف حجر عثرة أمام التسوية وانتخاب الرئيس. ولأن القمة العربية لم تتبن مبادرة تجاه لبنان ولم تعط حافزاً لتحرك باتجاهه، باتت الشكوك كبيرة بعقد اجتماع خماسي جديد لدول مجموعة باريس وفق مصدر دبلوماسي لبناني، كان جرى الحديث أنه سيعقد في الدوحة، ومن خلاله كان سيتبين موقف الولايات المتحدة الأميركية من الملف اللبناني خصوصاً حول الاستحقاق الرئاسي. وإذا لم تجر الدعوة لعقد اجتماع، فهذا مؤشر على إطالة أمد الفراغ اللبناني وترحيل الحل إلى أن تنضج ظروف مؤاتية تسمح بإنجاز الاستحقاقات اللبنانية، ومن بينها أيضاً إزالة الاستعصاء والتعطيل القائم عبر تسويات أو صفقات معينة، يظهر أن إيران ستكون مقرراً فيها.


وعلى وقع نتائج القمة العربية واستمرار الانقسام الداخلي باتت الدعوة لعقد جلسة في 15 حزيران المقبل شبه مستحيلة، على الرغم من استمرار قوى الممانعة وفي مقدمهم “حزب الله” في الحديث عن حتمية انتخاب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية. ويشير المصدر إلى أن أحد الأسباب الرئيسية لتراجع الاهتمام بلبنان، هو المقاربة العربية لهذا الملف الشائك، إذ بات مرتبطاً بما يُبحث حول الوضع السوري، وكـأنه ملحق له، نظراً للتشابك القائم بين الانفتاح الكامل على النظام وتأثيراته على لبنان، وصولاً إلى الدور الإيراني الذي يثبت اقدامه في دمشق ويعلن انتصاره فيها. فكل القوى التي راهنت على أن تدفع القمة العربية الحل اللبناني إلى الأمام أصيبت بخيبة أمل، إذ أن المؤشرات لا تحسم بانجاز الاستحقاق الرئاسي على الرغم الكلام عن الضغوط الذي سبق القمة وتلويح الخارج بفرض عقوبات على المعرقلين، فالاستعصاءات الداخلية وعدم نضوج حل إقليمي ودولي يبقي الوضع اللبناني في حالة الفراغ.


يتبين بعد القمة العربية أن لا اهتمام خارجياً بلبنان، وصل لدى بعض الدول إلى حد اللامبالاة. الانشغال بالملف اللبناني ليس أولوية عربية ولا دولية، بالعلاقة مع ملفات المنطقة. الأطراف التي شاركت في اجتماع باريس لم تعد تهتم بالبحث عن حلول، أو خوض صراع في لبنان، طالما أنها تلقي المسؤولية على اللبنانيين، وتدعوهم للاتفاق على إنجاز الاستحقاقات والشروع في الاصلاحات، وهي تعلم أن القوى المتحكمة بأمور البلاد منقسمة في ما بينها ومرتبطة أصلاً بقوى خارجية. يعني ذلك بالنسبة إلى المصدر الديبلوماسي استمرار الفراغ والتعطيل إلى أن تتبلور وجهة من الخارج لفرض الحل أو التسوية، وإذا حدث ذلك ستكون هناك سلطة وصاية لقوة إقليمية تفرضها موازين قوى مختلة لمصلحة الممانعة على لبنان.


يتركز الاهتمام العربي والدولي بعد القمة العربية على سوريا، خصوصاً بعد عودة العلاقات العربية معها، وفتح قنوات تفاوض على مفات متعددة بعضها يتصل بلبنان، ومن بينها ضبط الحدود ووقف التهريب ثم اعادة تموضع الميليشيات على أراضيها، إضافة إلى ملف النازحين، وهذا الامر يجعل لبنان حلقة ضعيفة ستفرض عليه التوجه لتطبيع العلاقات مع دمشق بدفع من القوى المهيمنة والمسيطرة، وهو ما أعلن عنه الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله في وقت سابق، ما يسلف النظام السوري أوراقاً للتوظيف والتدخل في الشأن اللبناني بما يشمل الاستحقاقات الدستورية.


نتائج القمة العربية وعدم الاهتمام الخارجي بالملف اللبناني سيفرضان إعادة خلط أوراق في الداخل. بالنسبة إلى “حزب الله” لم تضع السعودية فيتو على سليمان فرنجية، وهو يعني أن الملف اللبناني بالنسبة إليها ليس عنوان صراع، إذ أن المعادلات القائمة لا تدفعها للعمل على تشكيل حالة سنية مواجهة هي غير متوافرة اصلاً. وهذا يعني أن المملكة لا تريد أن تكون طرف صراع إقليمي في لبنان، حتى أنها تسعى لتخفيف الاعباء عليها لبنانياً. لكن خروج لبنان من الأولويات السعودية لا يعني أنه ملف خارج الاهتمام نهائياً، إذ سيبقى هناك دور للسعودية تستطيع من خلاله أن ترجح الوجهة التي ستنتهي إليها التسوية، إذا عاد الاهتمام الخارجي بلبنان، وبذلك تبقى لاعباً مهماً في الشأن اللبناني إلى جانب أميركا وإيران. وبما أن النظام السوري يطمح ليستعيد دوره في الساحة اللبنانية بعد عودته إلى الجامعة العربية وتعويمه من دولها، إلا أنه لا يستطيع أن يكون لاعباً مقرراً إلا من خلال الإيرانيين وفي الوقت نفسه يمكن أن يكون رافداً للسعودية بعد عودة علاقاته معها.


في غياب أي صفقة عربية وإقليمية للحل الشامل لبنانياً، سيستمر لبنان في حالة الفراغ، وسيصر محور المقاومة أكثر على إيصال مرشحه، وها هي رسائل “حزب الله” تتوزع في غير اتجاه داخلي وخارجي، بدءاً من مناورته العسكرية في الجنوب اللبناني، إلى التمسك بموقفه الذي عبر عنه نائب أمينه العام نعيم قاسم حين قال إن “حزب الله” اختار الإسم الوطني المقاوم الذي يجمع وطنا ويعمل من أجل انقاذه، ويتعاون مع الآخرين من أجل البرنامج الاقتصادي والسياسي والاجتماعي. فيما رأى النائب إبراهيم الموسوي، أن “رئيس تيار المردة سليمان فرنجية هو الشخصية المناسبة لرئاسة الجمهورية في هذه المرحلة، ونحن ندعمه وحظوظه ترتفع يوما بعد يوم”. وفي المقابل لم تثمر اتصالات القوى المعارضة خصوصاً في الساحة المسيحية للاتفاق على اسم منافس. وعليه تشير معركة “حزب الله” التي خاضها على مدار الاشهر الماضية إلى أنه لن يقبل بخسارة مرشحه، ولن يقبل بأن يطير كل الجهد بإخراجه من المعادلة!