عويدات أمام الامتحان الأصعب: هل يوقف سلامة؟
الكاتب: ملاك عقيل | المصدر: اساس ميديا
27 ايار 2023
في 22 كانون الثاني المقبل يُحال مدّعي عامّ التمييز القاضي غسان عويدات إلى التقاعد.
في ظلّ واقع الفوضى والفراغ الذي يتسلّل بانتظام إلى المواقع السياسية والماليّة والأمنيّة لن يكون هذا التاريخ مجرّد رقم. إذ يسبقه بنحو شهر إحالة قائد الجيش العماد جوزف عون إلى التقاعد.
يجعل تأزّم الحلّ السياسي وتعقّد مهمّة البحث عن رئيس الجمهورية كلّ السيناريوهات مُمكِنة، بما في ذلك الشغور الشامل من رئاسة الجمهورية إلى حاكمية مصرف لبنان، وما بينهما حكومة تصرّف الأعمال ومجلس قيادة في قوى الأمن الداخلي ومجلس عسكري في الجيش خارج الخدمة ومديرية عامّة للأمن العام تُدار بالوكالة وشغور فاقع في الإدارات العامّة، وفوق ذلك فراغ محتمل في قيادة الجيش قد يُسدّ مرحليّاً بتسلّم الضابط الأعلى رتبة بسبب الشغور في رئاسة الأركان، إضافة إلى عجز عن تعيين مدّعي عامّ تمييزي!
سلامة غيت
لا يبدو الأمر مجرّد قراءة في علم الغيب السياسي بقدر ما أصبح هذا الاحتمال ممكناً جدّاً مع صعوبة رصد أيّ خيط يجمع بين تطوّرات الإقليم الهائلة وبين الداخل اللبناني الآيل إلى مزيد من التأزّم ورفع السقوف، وفوقه “لَبَكة” التعامل مع “رياض سلامة غيت”.
قد يهدّد الفراغ نَفسُه بتّ ملفّ سلامة داخلياً، وربّما يؤخّره إلى حين حياكة التسوية الكبرى التي قد تكون “ضبضبة” ملفّ ملاحقة الحاكم أو التوسّع فيه من ضمنها، بمعزل عن الإجراءات القضائية الأوروبية التي تشي حتى الآن بأنّ عملية حصار الحاكم مستمرّة.
في الإقامة الجبريّة!
فعليّاً، لا شيء يعلو فوق صخب الملاحقة الدولية لرياض سلامة التي وضعته في حالة الإقامة الجبرية في لبنان. بناءً على أداء القضاء اللبناني في التعاطي مع ملفّ سلامة وأعوانه لا تعويل على تطوّرات نوعية وجريئة تسرّع في مسار الملاحقة والتوسّع في التحقيق ثمّ المحاكمة، فيما تُرصَد نتائج طلب وكلاء الدفاع عن الحاكم إبطال مذكّرتَيْ التوقيف بحقّه، إضافة إلى الطلب من الأمانة العامّة للإنتربول وقف العمل بالنشرة الحمراء وتعليقها إلى حين بتّ الطعن.
توقيف أم حفظ الملفّ؟
لا سابقة في تاريخ الدول بملاحقة حاكم مصرف مركزي، والأنكى أنّه تُوّج من بعض الدول “الأفضل في العالم”، لكنّ ثمّة معطيات ثابتة تتحكّم بهذا الملف وتفرض بدورها تسجيل سوابق:
– بعكس التسريبات التي تحدّثت عن مغادرة سلامة لبنان بعد نهاية تموز واللجوء إلى دولة لم توقّع مع لبنان اتفاقية “استرداد مطلوبين” لن يكون حاكم المصرف المركزي قادراً على المغادرة إلى أيّ دولة بموجب النشرة الحمراء التي قد يتطلّب حذف اسمه عنها سنوات طويلة، إلا إذا غادر باتجاه الدول الأوروبية المعنيّة بمقاضاته. بمطلق الأحوال، ما بات مؤكّداً أنّ لبنان استناداً إلى قوانينه لن يسلّم سلامة إلى فرنسا أو أيّ دولة أوروبية أخرى طلبت أو ستطلب توقيفه.
– النيابة العامّة التمييزية أمام امتحان هو الأصعب في حال سلّمت فرنسا ملفّ رياض سلامة الذي يُحاكَم على أساسه في باريس. فهل يثبّت الأدلّة التي استندت إليها رئيسة محكمة الاستئناف أود بوريسي للادّعاء على الحاكم بتهم الاختلاس وتبييض الأموال والتزوير، وهو ما يمكن أن يقود بلغة القانون إلى توقيف سلامة، أم يُحفظ الملفّ لتنحصر الملاحقة بالملفّ اللبناني المفتوح على كثير من التدخّلات والضغوطات السياسية؟
تؤكّد معطيات “أساس” أنّ هناك توجّهاً إلى إصدار مذكّرات توقيف من دول أخرى بعد فرنسا وألمانيا. السؤال الأهمّ، بعدما لمّح الحاكم إلى “ضرورة ملاحقة السياسيين قبل ملاحقتي”: هل يجرّ رياض سلامة رؤوساً كبيرة معه إلى التحقيق الأوروبي؟
تكرّس الحكومة تعاطياً رخواً في قضية سلامة، وآخر نماذجه بعد مذكرتي توقيف بحقّه تكليف وزير المال رفع تقرير دقيق يظهر تداعيات الملاحقات خارج لبنان حول أداء الحاكم مهامه وانعكاس ذلك على المصرف المركزي، وتكليف وزير العدل تقديم الرأي القانوني المناسب. وذلك وسط تجاهل مقصود لمطالعة نائب رئيس مجلس الوزراء سعادة الشامي التي فنّد خلالها موجبات تنحية سلامة أو إقالته.
كيف يُرفع اسم سلامة عن النشرة الحمراء؟
يقول رئيس مؤسسة JUSTICIA وعميد كلّية العلاقات الدولية في “الجامعة الدولية للأعمال” في ستراسبورغ الدكتور بول مرقص لـ “أساس”: “هناك طرق عدّة يمكن من خلالها رفع اسم شخص عن النشرة الحمراء بعد صدور مذكّرة توقيف بحقّه من قبل الإنتربول، إمّا بصدور قرار بإسقاط مذكّرة التوقيف أو إلغائها عن السلطة القضائية نفسها التي أصدرت المذكّرة (في هذه الحالة فرنسا وألمانيا)، وعندها على الإنتربول تلقائياً تحديث النشرة الحمراء ورفع اسمه عنها”.
كما يمكن، وفق مرقص، أن يقوم الشخص المدرَج اسمه على النشرة الحمراء بتوفير معلومات مهمّة جديدة أو أدلّة حاسمة تثبت براءته أو تشكّك جوهرياً في صحّة المذكّرة الصادرة ضدّه والتهم الموجّهة إليه، وعندها الإنتربول قد يقرّر استثنائياً رفع اسمه عن النشرة الحمراء، وربّما إجراء المزيد من التحقيقات.
إجراءات معقّدة
يضيف مرقص: “لذلك أنشأ الإنتربول جهازاً خاصّاً ومستقلّاً تحت اسم “لجنة مراقبة ملفّات الإنتربول “(CCF) بهدف تقويم ودراسة الحجج التي يضعها شخص مُدرَج على النشرة الحمراء في طلبه الذي يقدّمه لحذف اسمه عنها. وعادةً ما تكون الإجراءات في CCFمعقّدة للغاية، ويتمّ تنفيذها وفقاً لقواعد الإنتربول في شأن معالجة البيانات (RDP)”.
سلامة: يسيّسون ملاحقتي
في جلسة استجواب سلامة من قبل المحامي العامّ التمييزي القاضي عماد قبلان ركّز الحاكم على المنحى السياسي الذي يتحكّم بملاحقته وتشويه صورته بعد نفي كلّ الاتّهامات المسوقة ضدّه.
يقول مرقص: “يمكن الإنتربول إزالة النشرة الحمراء في حال وجد أنّ هناك دوافع سياسية وراء إصدار مذكّرة التوقيف أو يؤدّي ذلك إلى انتهاك جدّي لحقوق الإنسان المكرّسة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في حال تمّ تسليم الشخص المطلوب بموجب مذكّرة التوقيف، بالإضافةِ إلى التحقيقات التي سيجريها الإنتربول وفقاً للمعايير الدولية (بناءً على المعطيات التي قد تكون متوافرة لدى جهاز CCF)، والتي قد تصل إلى اعتبار أنّه لا توجد أسباب كافية للمحاكمة، من دون أن يعني ذلك أن تسقط عن الشخص المعنيّ الملاحقة أو القضية المقامة بوجهه لدى الدولة التي طلبت إصدار مذكّرة التوقيف”.
ما مصير طلب الإبطال؟
يتطلّب إجراء رفع الاسم عن النشرة الحمراء، كما يؤكّد مرقص، تقويماً دقيقاً ومراجعة قانونية للحالة بواسطة الإنتربول والسلطات المعنيّة، وقد يتمّ الرفع المؤقّت أو الدائم للاسم حسب المعطيات والتطوّرات، ولذا حتى في حال تمكّن وكلاء الدفاع من تجهيز اعتراض قوي ذي حجج يقبلها الإنتربول، فإنّ إجراءات رفع الاسم تتطلّب وقتاً ودقّةً في التعاطي مع ملّف كهذا مع وجود تحدٍّ أساسي أمام وكلاء الدفاع يكمن في أنّ القضاء الفرنسي يتّبع قواعد المحاكمات العادلة ويحترم الحقوق والحرّيات في دولة ديمقراطية كفرنسا، لكنّ الأصل هو في إقامة الدفاع بوجه الإجراءات القضائية في فرنسا لأنّ الإنتربول ليس قضاء بل جهاز شرطة دولية.