فرنجية وباسيل ومعضلة “عدة الشغل”
فرنجية وباسيل ومعضلة “عدة الشغل”
الكاتب: جورج العاقوري | المصدر: نداء الوطن
31 ايار 2023
لطالما ضربت المنظومة الحاكمة في جمهورية الطائف العمل المؤسساتي في الدولة وانتهكت كل الاصول والآليات القانونية، فعاثت زبائنية ومحسوبية في الادارة. «روّضت» كوادرها من مديرين عامين وصولاً الى أصغر موظّف، ومن لم يتجاوب عزلته إمّا داخل مكتبه أو عبر «تعيينات» معلّبة على قياس مصالحها.
إلا أنه يسجّل لرئيس تيار «المرده» النائب السابق سليمان فرنجية دون سواه من مكونات هذه المنظومة صراحته المعهودة بتسمية الأمور بأسمائها وعدم اللجوء إلى المراوغة أو المزايدة بـ»الاصلاح والتغيير» والحوكمة الرشيدة. ففرنجية إختصر ذهنية هذه المنظومة بمصطلح «عدة الشغل» حين قال لدى استلامه وزارة الداخلية إنّ كل وزير يأتي بـ»عدة الشغل» الخاصة به. كما أنّ النائب ميشال معوّض نقل عن فرنجية في 13 آب 2017 قوله: «في حال لم نتفق في الانتخابات النيابية أريد ان تبقى رئاسة إتحاد البلديات معي كونها من «عدّة الشغل».
يصحّ هذا المصطلح إن كان المقصود به الفريق الاستشاري. أمّا متى كانت الغاية منه الإمساك بمفاصل القرار – كما هو واقع الحال في لبنان- عبر «أزلام» إمّا يستقدمون من مواقع أخرى داخل الادارة وإمّا يكونون من خارجها ويُمنحون بـ»السطوة» صلاحيات وأدواراً تتخطى المسموح به قانوناً، فهذا يكون أسوأ انواع «الديكتاتورية الادارية» ولا ينتج إلا الفساد والمحسوبية والزبائنية.
عملياً، اعتمد فرنجية على «عدة شغل» في الوزارات التي تبوأها تيار «المرده» بعد الطائف حيث كان رقماً صعباً في ظل سيطرة النظام السوري على لبنان وكان يحصد «حصّة الأسد» ويتقاسم المواقع والنفوذ مع بعض الوجوه التي كرّستها المرحلة كـ»بدل عن ضائع» والأصح بدلِ عن منفي ومعتقل.
أما بعد العام 2005، فخُلِطت الأوراق ودخل «التيار الوطني الحر» شريكاً مضارباً على هذه العملية بذريعة «إستعادة حقوق المسيحيين» في الدولة. رافعاً هذا الشعار، برّر تخطي أي آليات قانونية واللجوء إلى «خزعبلات» التوظيف أو طواقم مستشارين بأعداد تفوق الحاجة وبمداخيل مالية «ليرة واحدة» من خزينة الدولة ولكن رواتب خيالية عبر الإلتفاف على الدولة من خلال عقود مع جمعيات أممية هي بمثابة هدر لأموال مشاريع لمصلحة المواطنين.
اليوم يتحدّث كُثر عن مساعٍ داخلية وطرح فرنسي يقوم على إعطاء بعض المواقع الأساسية لباسيل كحاكمية مصرف لبنان وقيادة الجيش أو غيرهما مقابل إيصال فرنجية إلى بعبدا. في الاساس تشكّل محاصيل «عدة الشغل» عاملاً مهماً لدى الرجلين لتوسيع نفوذهما ومروحة مناصريهما، لأنّ تياريْهما يقومان على النموذج الخدماتي أكثر منه العقائدي ويتقلص حجمهما فور فقدانهما هذه الورقة وتراجع حجم حضورهما في السلطة. إلا إنّه إذا رضي فرنجية أن يتقاسم «عدة الشغل» لإعتبارات سنأتي على ذكرها فمن الصعوبة بمكان أن يسير باسيل بذلك.
يدرك باسيل جيداً بناء على خبرته في لعبة السلطة وعلى تجربة عهد عمه الجنرال ميشال عون، أنّ الناس الباحثين عن موقع أو حصة يفضّلون الذهاب إلى الأصيل – أي رئيس الجمهورية – أكثر من الوكيل – أي الداعم لعهده.
يدرك باسيل جيداً كيف أنّ كثراً من السياسيين أو الطامحين ممن يتمتعون بحيثيات مناطقية أو محدودة هرولوا للتحالف معه نيابياً عشية إنطلاق العهد ولو على حساب حلفاء مفترضين لهم – وأقرب منه إليهم – وتركوه عند مفترق «17 تشرين».
يدرك باسيل جيداً أنّه سيكون في أفضل الأحوال «الرجل الثاني» وبعض من زرعهم في دوائر الدولة سينقلبون عليه. فهذه هي سُنّة «الزبائنية» وهذا ما جرى مع فرنجية وآل المر وغيرهما ممن كانوا يمسكون بقبضة اللعبة السياسية مسيحياً قبل العام 2005، حيث نجح باسيل باستيعاب كثر جراء حجم «تسونامي» تياره وقدرته أكثر على تقديم الخدمات. هذا الأمر ينطبق أيضاً على رجال الأعمال والمتعهدين الباحثين عن مصالحهم أولاً.
الأهم، والذي يدركه فرنجية فيغريه ويدركه باسيل فيقلقه، أن رئيس الجمهورية – رغم تقليص صلاحياته في «الطائف» – ما زال يُمسك بأوراق عدة تخوّله الانقلاب بنجاح على أي اتفاق. فرئيس الجمهورية يستطيع بتوقيعه عرقلة أي تشكيلات أو تعيينات أو قرارات لا تلائمه. كما إنّه شريك في وضع جدول أعمال مجلس الوزراء مع رئيس الحكومة بحيث يمكنه عرقلة عمل الشريك في إيصاله الى بعبدا. هذا ما مارسه عون بالتعاون والتنسيق مع رئيس الحكومة يومها حيث لم تُجدول مشاريع قوانين عدة لوزراء «القوات»، منها على سبيل المثال آلية تحديد السقوف المالية للمستشفيات في وزارة الصحة وآلية تعيين المدير العام لـ»تلفزيون لبنان» ومبادرة لحلّ عودة النازحين السوريين الى بلدهم تقدم بها وزير «الشؤون الاجتماعية» ريشار قيومجيان في 2/3/2019.
بناء على ما تقدّم، كل المغريات والضغوط من المرجّح أن تسقط أمام هاجس «عدة الشغل». لذا من المستبعد جداً أن يسير باسيل بفرنجية وهو يدرك إحترافية الأخير في الإستفادة من «عدة الشغل» ويفضّل الدفع بمرشحين «جاهلين» في هذا المضمار، وفي اسوأ الأحوال «مبتدئين».