القلق الفاتيكاني على المسيحيين… والخيار الثالث

القلق الفاتيكاني على المسيحيين… والخيار الثالث

الكاتب: غسان حجار | المصدر: النهار

1 حزيران 2023


إن كانت زيارة البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي لفرنسا، ولقاؤه الرئيس إيمانويل ماكرون، ناجحة، كما أورد المكتب الإعلامي للبطريركية المارونية، فإن الأهم من البحث في رئاسة الجمهورية هو الكلام عن الدور المسيحي في لبنان.

ولعل قراءة دقيقة في ما ورد في مانشيت “النهار” ليوم أمس تكشف الكثير من الأوراق. جاء في النص وفق مصادر “النهار”: إن باريس تعلم أن فرنجية هو أحد المرشحين الموارنة الذين قدّموا أوراق اعتمادهم الى “حزب الله” والوحيد الذي نجح في هذا الامتحان. وتلفت باريس الى أن فرنجية هو أحد المرشحين المسجلين على لائحة البطريرك أي إنه لا اعتراض مبدئياً على ترشيحه. لذلك اعتبرت باريس أنه “الحل الممكن”. فباريس تخشى وتتخوّف في ظل الوضع الإقليمي الحالي على مستقبل المسيحيين وهي على يقين من أن “حزب الله” ليس على عجلة لسدّ الفراغ الرئاسي ويريد الذهاب الى الفراغ الذي سيؤدّي الى مؤتمر تأسيسي يريد الحزب من خلاله تأكيد مكتسباته، وهذا الواقع الجديد قد يؤدي الى خسارة المسيحيين العديد من مراكز الفئة الأولى والحساسة في الدولة”.

ثمة قراءتان لهذا النص: الأول يؤخذ بنيّة غير حسنة، ومفادها أن باريس تستعمل التخويف وسيلة لحض المسيحيين على القبول بخيارها الرئاسي الذي يوفر مصالحها، ويرضي النظام السوري و”حزب الله” معاً، وترى أنه الخيار الأفضل. وقد نقلت الى الفاتيكان رؤيتها هذه، وطلبت دعم مساعيها. وهي ترى كما ورد في النص أن فرنجية ورد اسمه على اللائحة البطريركية في عام 2014، واحداً من أربعة أسماء اعتبرتهم بكركي الزعماء المسيحيين المستحقين الرئاسة الأولى، إذ إن الإتيان بغيرهم يُعدّ انتقاصاً من تمثيل المسيحيين في السلطة لكون هؤلاء يرأسون الأحزاب الأكثر فاعلية على الساحة، إن من حيث العديد والانتشار، أو من حيث الفاعلية السياسية والعلاقات.

وفي القراءة الثانية، إن باريس تدرك فعلاً الخطر الذي يحيق بالمسيحيين في الشرق، وفي لبنان، في ظل موجات الهجرة، وتغيّر الديموغرافيا، وانهيار المؤسسات. وهي تعمل لتثبيت موقعهم وفاعليتهم في الحياة الوطنية اللبنانية. وترى باريس أن المسيحيين أخطأوا في خيارات عدة سابقة ودفعوا أثماناً غالية، وتحثهم على عدم تكرار الصدامات سواء في ما بينهم، أو مع الآخرين. لذلك تفتش عن “الحل الممكن” لا عن “الحل الأفضل” ربما، أي تدعو الى التزام واقعية معيّنة.

وفي هذا الإطار يتحدث مطلعون أن رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل سمع كلاماً مشابهاً في الفاتيكان في زيارته الأخيرة، ومفاده عدم الاصطفاف الحادّ مع بعض المكوّنات ولا خلق حالة عداء معها، لأن كل صدام إنما ينعكس على نوعية حياة كثيرين من المسيحيين في غير منطقة. وهذه الدعوة لا تعني استسلاماً وقبولاً بالأمر الواقع المفروض من قوى الأمر الواقع، بل إقامة توازن في العلاقات. ويردّد مسؤول فاتيكاني ما سمعه البطريرك في باريس بأن “حزب الله قد يطيل أمد الفراغ، دافعاً باتجاه مؤتمر تأسيسي ليس الوقت مناسباً له حالياً، ويعمل الفاتيكان بالتنسيق مع عواصم كبرى على فرملة هذا التوجّه”. وإذ يدرك المسؤولون في الكرسي الرسولي أن المنطقة مقبلة على تطوّرات ومتغيّرات، يفضّلون تسوية الأمور بالتوافق والتفاهم والحوار، في انتظار جلاء الاتفاقات، الظاهر منها والخفيّ.

لذا، كان كلام باسيل منسجماً مع هذا التوجّه حين قال إنه اعترض على أسماء تُعدّ مستفزة للحزب، وإنه يدعو الأخير الى ملاقاته. فهل تتجه الأمور لاحقاً الى الخيار الثالث برعاية فرنسية أيضاً؟