لقاء ماكرون – الراعي: صمت مُطبق حتى الأحد؟
الكاتب: جورج شاهين | المصدر: الجمهورية
1 حزيران 2023
تعددت الروايات التي تناولت التحضيرات الجارية لمقاربة الإستحقاق الرئاسي بعدما دخلت البلاد اليوم أول أيام الشهر الثامن لِخلو سدة الرئاسة. وحتى اللحظة لم يستقر المراقبون على ايّ من السيناريوهات المحتملة بعد أن تداخلت فيما بينها وتشعبت. وبَدل من ان يقدّم لقاء الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون مع البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي اي إشارة حاسمة، طلبَ من اعضاء الوفد المرافق للبطريرك الصمت حتى يوم الأحد. وعليه، ما هو المنتظر؟
على رغم من كل التسريبات التي رافقت لقاء ماكرون ـ الراعي لم يتمكن أيّ من المتابعين من الحصول على أي معلومات تفصيلية خارج التوصيف الايجابي للقاء بعبارات نادرة نقلت على ألسنة أعضاء في الوفد المرافق للبطريرك وأركان غرفة عمليات الإليزيه على حد سواء، بعيداً عن مجموعة السيناريوهات التي انتشرت على وَقع جملة من المؤشرات التي سبقت اللقاء، وخَلت من أي معطيات أخرى تتحدث عن النتائج التي انتهى اليها حوار امتدّ ساعة وعشر دقائق. فقد غادرَ الراعي قصر الاليزيه الى الطائرة التي أقَلّته الى بيروت وكان فيها قبل منتصف الليل مُمتنِعاً عن الإدلاء بأي موقف، كما تم التعميم على الوفد المرافق بضرورة الصمت المُطبق حتى عظة الأحد المقبل.
فالمحاولات التي أُجريت في باريس لدى الفريق الفرنسي المكلّف متابعة الوضع في لبنان للحصول على معلومات دقيقة عن اللقاء بين الرجلين انتهَت الى الإشارة الى عناوين الملفات التي طرحت، وفي طليعتها الاستحقاق الرئاسي وردات الفعل التي رافقت «الرفض المسيحي» لاقتراحات باريس لما سُمّي بـ»ثنائية فرنجية ـ نواف سلام»، وصولاً الى ما انتهت اليه مساعي المعارضة للتفاهم مع «التيار الوطني الحر» حول مرشح «جدي» و«وازِن» يخوض المواجهة ضد رئيس تيار المردة سليمان فرنجية الذي يدعم ترشيحه «الثنائي الشيعي» مع حلفائه.
الى ذلك، فقد شَغل ملف النازحين السوريين جزءاً من اللقاء، لا يُقاس بحجم العنوان الاول. وقبل ان ينتهي، سَلّم الراعي الرئيس الفرنسي رسالة من أهالي شهداء انفجار المرفأ موجّهة الى مَن قادَ العناية الدولية لاستيعاب عملية تفجير المرفأ في 4 آب 2020 وتداعياتها، وما خلّفته من ضحايا وخراب وتدمير.
الى هذه المعطيات بعناوينها العريضة بثلاثيّتها، لم يتأكد اي من المراقبين من إمكان ان يكون اللقاء قد تناولَ الأسماء المرشحة للمواجهة الرئاسية، وأن الحديث بقيَ في الإطار العام للمعطيات المحيطة بها. وعليه، فإن الحديث عن لائحة خماسية حملها الراعي في زيارته الاخيرة لم يثبت أنها كانت مطروحة. ولو لم يتناول البحث الاقتراح الفرنسي في شأن فرنجية وسلام وإمكان تفاهم المعارضة على ترشيح الوزير السابق جهاد ازعور، لَما تناولَ الحديث هذين الاسمين حصراً من دون ان يتطرق البحث الى بقية الاسماء التي تم التداول بها في بيروت وبَقيت فيها.
وبالإضافة الى هذه المعطيات، وقبل ساعات قليلة لمغادرته بيروت صباح الاثنين الماضي الى روما والفاتيكان قبل باريس، كان الراعي قد تلقّى تقريرا مفصّلا عن نتائج المناقشات الجارية لجمع المعارضة مع «التيار الوطني الحر» على مرشح «المواجهة». فرئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل أبلغَ اليه أدق التفاصيل والتوجّه الذي يقوده لتوحيد الموقف مع المعارضة بمختلف تلاوينها المسيحية والإسلامية. علماً ان الراعي كان قد اطّلعَ قبل يوم واحد من رئيس الكتائب النائب سامي الجميّل على ما سَبق هذه الخطوة. وما يمكن ان تقود اليه مساعي توحيد الموقف وصولاً الى الترتيبات الخاصة بلقاءٍ سيُعقد بين المعارضة وازعور فور عودته من الرياض في الساعات المقبلة، حيث يشارك كمسؤول عن قسم الشرق الاوسط وشمال افريقيا في صندوق النقد الدولي في أعمال لقاء ينظّمه الصندوق في العاصمة السعودية.
وعليه، فقد شكلت هذه المعطيات التي وُضِعت في تصرّف الراعي، مع مزيد من المعلومات التي تلقاها قبَيل دخوله قصر الاليزيه بنصف ساعة، مادة مهمة مَكّنته من أن يقدمها بطريقة إيجابية عَزّزت موقعه في الإجتماعات التي عقدها في كل من روما والفاتيكان وباريس.
وإنّ كل من طلبَ مزيداً من هذه المعطيات، رَدّته مصادر الإليزيه والفريق المعاون لماكرون إلى مضمون البيان الصادر عن الرئاسة الفرنسية، والذي لم يُضف اليها سوى مزيد من العبارات الغامضة التي يمكن ان يفسّرها كل فريق بما يرغب به.
ولذلك، فإنّ العودة الى مضمون البيان الصادر عن قصر الاليزيه لا توحي بإمكان الخروج من دوامة التفسيرات المتناقضة بما يعزّز التشَدّد المتبادَل بين إصرار المعارضة على توحيد موقفها من المرشح الذي ستواجه به مرشح الثنائي بمقدار تمسّكه به. وهو ما يحول دون بَدء البحث عن مرشح ثالث يؤدي إلى طَي البحث في ترشيحهما، والانتقال إلى لائحة جديدة تفتح آفاقاً جديدة بعيدة كل البعد عن المشاحنات الحالية.
وتأكيداً على هذه المعطيات، فإنّ ما عبّر عنه ماكرون أمام الراعي لجهة إصراره على دعمه «الجهود» التي يبذلها لإخراج لبنان من «المأزق السياسي» لم تأتِ بأي اشارة حاسمة، لا لجهة الإستمرار في دعم فرنجية ولا في التخلي عنه. وجاء تجديد دعوته الى «انتخاب رئيس للجمهورية من دون تأخير» استكمالاً للموقف الفرنسي الثابت بضرورة تَجاوز المرحلة بأقل الخسائر الممكنة. كما جاء تعبير كلّ منهما – أي ماكرون والراعي – «عن مخاوفهما العميقة بشأن الأزمة التي يعانيها لبنان وشَلل المؤسسات الذي فاقَمَه شغور سدّة الرئاسة منذ أكثر من سبعة أشهر»، لِيُضيفَ إثباتاً لاقتصار البحث على العناوين الأساسية من دون الدخول في تفاصيل يبحث عنها مَن يخوض السباق الى قصر بعبدا.
على هذه الخلفيات، وبعيداً عن مجموعة السيناريوهات المتداولة بما فيها من رغبات وتمنيات، يبقى على المراقبين السّاعين الى فهم الحقائق انتظار مزيد من الوقت لتبيان النتائج التي تَكتّم عليها كل من ماكرون والراعي. فالجميع يدرك انّ عليه انتظار بعض المحطات المقبلة، لأنّ اللقاء المرتقَب بين المرشح ازعور ومكونات من المعارضة النيابية قد يُفضي الى شكل الصيغة المنتظرة للاعلان عن الموقف المتضامِن معه وتقدير حجمه.
والى المواقف المبدئية التي حسمها باسيل لجهة انتظامه قريباً في صفوف المعارضة الى جانب مرشّحها، هناك من يعتقد انه لن يكون موقفاً حاسماً للمعركة، وانّ هناك خطوات اخرى ستُعقَد على مستوى الطرفين سعياً الى النصف زائداً واحداً لفرنجية كما لأزعور، بطريقةٍ تدفع رئيس المجلس النيابي الى تنفيذ وعده بالدعوة الى جلسة انتخابية بعدما تَعهّد بها فور إثبات المعارضين وجود مرشح جدي في مواجهة مرشحه، وهو ليس في وارد التراجع عن مِثل هذه الخطوة الدستورية كما نُقِل عنه في الايام القليلة الماضية.
وبمعزل عن مختلف هذه المعطيات، هناك من يعتقد انّ بري، وإن وَجّه الدعوة الى هذه الجلسة المنتظرة، فهو على اقتناع بأنه سيكون مستعداً للدعوة الى مسلسل من الدورات الانتخابية التي لن تنتهي الى انتخاب ايّ منهما، ليفتح الباب لاحقاً على دعوة متجددة الى الحوار قد تُفضي برعاية إقليمية ودولية الى المرشح التوافقي، وانّ الأهم من كل هذه المعطيات هو ان تعبر هذه المرحلة من دون خضّة أمنية بأيّ شكل من الاشكال. لعل هناك قراراً بتَجاوز مختلف المناورات، التي شَهدنا على نماذج منها، الى محطة يستخدمها الطرفان قبل دخول البلاد مرحلة التعافي والاستقرار. فانتخاب الرئيس ليس نهاية للأزمة إنما بداية لمشاريع الحلول الممكنة.