صحف اسرائيلية: لا عزاء لمستوطني الشمال ونصرالله يتجنب الحرب

صحف اسرائيلية: لا عزاء لمستوطني الشمال ونصرالله يتجنب الحرب

المصدر: المدن

8 كانون الثاني 2024


تواصل الصحف الإسرائيلية مواكبة التطورات على الحدود الجنوبية للبنان. فكتب عاموس هرئيل في صحيفة هآرتس مقالاً جاء فيه: “جاء رد حزب الله على اغتيال المسؤول في حماس صالح العاروري في ضاحية بيروت الجنوبية، على هيئة رشقة ثقيلة من الصواريخ، صبيحة الأمس، أُطلقت من لبنان نحو الجليل. وحسب بيان الحزب، هذه ليست إلا وجبة أولى من الرد المخطط له. لم يتسبب القصف الصاروخي بوقوع ضحايا، إلا أنه كان موجهاً إلى أهداف تقع جنوبي المواقع التي اعتاد الحزب استهدافها في السابق، في منطقة شارع صفد-عكا. والأهم من ذلك، أن الهدف الرئيسي الذي تساقطت الصواريخ حوله، جبل ميرون، هو موقع وحدة الرقابة الجوية الشمالية التابعة لسلاح الجو، ويحتوي على رادارات تتابع كل التحركات الجوية في الحيز السوري- اللبناني.

وإلى جانب إطلاق الصواريخ، جرت أمس (السبت) عدة محاولات لإطلاق مسيّرات هجومية على الأراضي الإسرائيلية. في هذه الحالة أيضاً، لم تقع إصابات، وردّ سلاح الجو بضربات كبيرة نسبياً في الجنوب اللبناني، أصابت إحداها بطارية أرض جو تابعة لحزب الله. إن حزب الله يخسر، بالإضافة إلى العاروري، كثيراً من الضحايا في الهجمات الدائرة على مرّ الأيام الماضية، وهي ضربات توجَّه في بعض الأحيان نحو خلايا تقوم بإطلاق صواريخ أرض- أرض، والصواريخ المضادة للدبابات نحو الأراضي الإسرائيلية”.


ويتابع: “ألقى حسن نصرالله يوم الجمعة خطاباً ثانياً أتى فيه على ذكر اغتيال العاروري والقتال الدائر في كلٍّ من غزة ولبنان، وكرّر تهديداته الانتقامية، لكنه لم يهدد بحرب شاملة يشنها حزبه ضد إسرائيل.


يبدو الآن، أن أكثر الاحتمالات ترجيحاً هي مواصلة الحزب تركيز ضرباته على الحدود الشمالية، وعدم سعيه لتوسيع دائرة نيرانه إلى وسط البلد. وعلى الرغم من ذلك، فإن هذا التقدير قد يتبخر في لحظة. علاوةً على ما تقدم: لقد وصلنا إلى حالة تعتبر فيها إسرائيل الاستهداف الناري الواسع المستمر منذ ثلاثة أشهر، والذي أدى إلى إخلاء عشرات البلدات، هو الخيار الأقل مرارةً، من ضمن خيارَين مُرّين. فما دام ردّ حزب الله “احتوائياً”، فإن إسرائيل ستقوم هي أيضاً بالحد من نطاق وشدة هجماتها.


بالنسبة إلى سكان الشمال المهجّرين من منازلهم، أو الواقعين في دائرة الاستهداف، هذا لا يمثل أي عزاء، ولا ينطوي على أي أمل، وحالياً، يبدو أن الجهود الأميركية الهادفة إلى العثور على حل سياسي ينهي القتال الدائر، تتقدم ببطء شديد. لقد بدأت الحكومة والناطقون باسمها، فعلياً، بالتلميح إلى أن شهوراً إضافية ستمر قبل أن يعود الهدوء إلى الشمال”.


من جانبه كتب إيهود يعاري في موقع القناة n12: إياكم أن يصيبكم الارتباك: لقد كان خطاب نصرالله كلّه بعد ظهيرة اليوم، محاولة للدفاع عن نفسه، نظراً إلى قيامه بتوريط لبنان في الدوامة الغزّية. كان ظهور الرجل ظهوراً دفاعياً، متخفياً بمظهر الهجوم على إسرائيل. لكن المؤسف أن لدينا مَن يفهم الأمور بصورة أخرى. أمّا في بيروت، فهم يدركون جيداً أن كل ما حاول نصرالله فعله كان تبرير انبرائه، المحدود النطاق، لمساعدة “حماس”، بذريعة جدية تُظهر أن هدفه كان محاولة خدمة المصلحة الوطنية اللبنانية.


بكل بساطة، ومن دون الاستناد إلى الكلمات المحتقنة والفارغة التي تعج بها الأستوديوهات والمواقع الإخبارية الإسرائيلية، يجب أن نفهم التالي: لقد بذل نصرالله قصارى جهده، أكثر مما يفعل في المعتاد، ليبالغ، بطريقة مثيرة للعجب، في توصيف مدى تكبيده الجيش الإسرائيلي والبلدات الإسرائيلية في الشمال الأضرار. ثم ادّعى أن لبنان قد يجني من الحرب في الشمال مكاسب تتعلق ببسط سيادته، وربما منع اختراق سلاحَي الجو والبحر الإسرائيليَين مناطق السيادة اللبنانية.


ما أقوله هو أن نصرالله يدرك أن الأشهر الثلاثة الأخيرة التي حاول فيها أن يوضح أنه لا يسعى لجرّ لبنان إلى حرب شاملة، بل يقوم بخلق جبهة مساندة، تهدف إلى تخفيف الضغط على “حماس”، قد فقد قدرته على إقناع جمهوره. ولذا، فهو الآن يقوم بتغيير توجُّهه، وهو يقول للأغلبية اللبنانية التي ترفض التورط في الحرب: ما أقوم به من أجلكم عملياً، هو في مصلحتنا كلبنانيين! ما هي هذه المصالح؟ إجبار إسرائيل على الموافقة على التخلي عن النقاط الحدودية الخلافية الـ13، على امتداد الخط الأزرق بين البلدين، ابتداءً من النقطة B1 في رأس الناقورة، ووصولاً إلى مزارع شبعا (هار دوف)، إلى جانب وقف الطلعات الجوية الإسرائيلية في سماء لبنان، واختراق سفن البحرية الإسرائيلية المياه اللبنانية الإقليمية. ها هو الآن يستعرض هذه الأهداف على حين غرة، بصفتها “فرصة تاريخية”، ولن يمرّ وقت طويل إلى أن يقوم كثيرون في لبنان بالرد على الرجل.


صحيح، لقد أعلن نصرالله، عملياً، أن قوات حزب الله (التي انسحبت، في معظمها، إلى مسافة تبعد ما بين 10 و15 كيلومتراً عن الحدود) قد تلقت أمراً بتوجيه ضربة، رداً على اغتيال صالح العاروري في ضاحية بيروت الجنوبية، وأنه لن يكون هناك أي تأخير في هذا الشأن، لكن التوجّه الذي انطوى عليه خطاب نصرالله بصورة واضحة، كان البحث عن تسوية على امتداد الحدود، لحظة توقُّف الحرب في غزة.


لقد انسحبت أغلبية عناصر قوة الرضوان من الخط الحدودي الواقع شمالي جبل الشيخ. أمّا فرق حزب الله الأفقية، كوحدة عزيز (في القطاع الغربي)، وناصر (في القطاع الأوسط)، وحيدر (في القطاع الشرقي)، فقد ابتعدت جميعها عن خط المواجهة، بعد أن فقدت مخازن العتاد وغرف القيادة الميدانية الخاصة بها، فضلاً عن بطاريات الصواريخ المتطورة الروسية المضادة للطائرات.


لقد حاول نصرالله، على امتداد خطابه، استخدام مبالغات صارخة لتوصيف الأضرار التي سبّبها رجاله لإسرائيل. فبحسب “إحصاءاته”، هناك 300 ألف مهجر من بلدات الجليل، أمّا إسرائيل، فهي تخفي أعداد قتلاها وجرحاها الذين سقطوا بنيران قواته، وجميع المنظومات الرقابية العسكرية في الشمال زالت من الوجود، وعملياً: لقد قامت إسرائيل، بدلاً من إنشاء حزام أمني في الأراضي اللبنانية، بإنشاء حزام أمني في أراضيها.


نصرالله خطيب مفوّه، لا يفتقر إلى الحيل البلاغية، لكنه حين يعتمد على المبالغات في ادعاءاته، فهو يحاول طبعاً الاقتباس من مصادر إسرائيلية لإضفاء الصدقية عليها، بما يشمل الاقتباس من دانييل هغاري [الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي]، هذه إشارة واضحة على أنه يقول للعالم العربي أولاً، وللمجتمع الشيعي في لبنان، وسائر اللبنانيين: لقد قام حزب الله بعمل غير قليل، وحققنا إنجازات كبرى، وها نحن الآن نعمل في خدمتكم، أما أهم الرسائل فهي: لا تقلقوا، أنا لن أورطكم في حرب شاملة.


أنا أعلم جيداً بأن هناك عدة جنرالات احتياط مرابطون في الأستوديوهات، وأنا لا أعمم هنا، يقدّرون أن نصرالله يتجه نحو تصعيد شامل. ما العمل؟ إن نصر الله قام، عملياً، بالإشارة إلى جمهور مستمعيه (ونحن من ضمنهم) بأنه مستعد للحوار، لحظة يدرك أن إسرائيل أنهت عملها في غزة. طبعاً، يُحظر علينا الاستناد إلى هذا التلميح، يُحظر علينا البناء عليه، لكن هذا ما وعد به نصرالله شعبه.