من بيروت إلى صيدا.. هكذا يبحث لبنانيون عن “مأوى الحرب

من بيروت إلى صيدا.. هكذا يبحث لبنانيون عن “مأوى الحرب


نزح 1.2 مليون، أي حوالى 20% من السكان، في مختلف أنحاء لبنان، بسبب الغارات الجوية الإسرائيلية المتواصلة والغزو البري المستمر.


وبصفتها مديرة أحد أفضل النوادي الليلية في بيروت، عادة ما تكون غاييل إيراني مشغولة بحجز تذاكر الدي جي وتسجيلها، أما الآن فأصبحت مسؤولة عن رعاية 400 نازح، وتحويل مكان الاحتفال إلى مكان للجوء.

ويسلط تقرير في “واشنطن بوست” الضوء على أوضاع النازحين في لبنان، الذين يحاولون البحث عن ملاذ آمن في أي مكان في البلاد، بعد أن اضطرتهم الحرب للفرار من بيوتهم.


وقالت إيراني على عجل وهي تتعامل مع المانحين الراغبين في المساعدة: “لقد تغيرت المهمة بمقدار 180 درجة”.

وبالنسبة لها وللمئات من الآلاف في مختلف أنحاء لبنان، تغيرت الحياة بين عشية وضحاها في الشهر الماضي عندما انفجر صراع حدودي طويل الأمد بين حزب الله وإسرائيل في حرب شاملة.

نزوح مستمر

نزح حوالي 1.2 مليون، حوالي 20% من السكان، بسبب الغارات الجوية الإسرائيلية المتواصلة والغزو البري من الجنوب اللبناني.

في المدن والقرى في الجنوب وأجزاء من الشرق، هجر كثيرون منازلهم دون خطط مسبقة، وعلقوا في حركة المرور لساعات بحثاً عن الأمان.

وفي الضاحية الجنوبية المهجورة لبيروت، حيث حافظ حزب الله على وجود كبير، فرت الأسر من الشقق بكل ما أمكنها حمله. كذلك، ومع نزوح الكثيرين بهذه السرعة، تكافح هذه الدولة الهشة للتكيف، وفق التقرير.


وأنشأت الحكومة 973 ملجأ في مختلف أنحاء البلاد، تؤوي نحو 180 ألفاً، ولكن أغلبها امتلأ بالفعل.وإذا تمكنت بعض الأسر من تحمل تكاليف استئجار غرف في الفنادق أو شقق سكنية، فإن العديد من الأسر الأخرى اضطر إلى الإقامة في المباني الشاغرة أو النوم في السيارات والمتنزهات العامة.

لم يكن يفترض أن يكون “سكاي بار” في منطقة الواجهة البحرية الفخمة في بيروت ملجأ على الإطلاق، ولكن عندما بدأ الناس في ركن سياراتهم قربه والتخييم على الرصيف، شعر أصحاب المكان بأنهم ملزمون بالمساعدة.. هنا، تقول إيراني: “بدأنا بـ 70 شخصاً، والآن أصبحنا حوالي 400”.


استخدمت الطاولات لتقسيم حلبة الرقص ذات الشكل البيضاوي، ما يمنح كل عائلة مساحة خاصة. كذلك، تنام النساء والأطفال وكبار السن في الداخل ليلاً، بينما يبقى الشباب في الخارج، وتقدم لهم ثلاث وجبات يومياً.

نريد العيش


يحاول النازحون إعادة ما يشبه الحياة العادية، رغم الظروف الصعبة.,, “دعونا نلعب الغميضة”، هكذا حثت إحدى الفتيات الأطفال الآخرين، بينما كان الآباء يدخنون النرجيلة لقضاء الوقت.

وفي محل حلاقة مؤقت أقيم في مكان قريب، كان حامد عسيلي، 71 عاماً، يحلق شعره، فر من الجنوب في 23 أيلول عندما بدأت إسرائيل توسع قصفها.

وفي حديث له، قال العسيلي: “تعرضت مدينتنا للقصف، ولم يبق فيها أحد”. وبعد ست ساعات من السير على الطريق، وصل إلى منزل ابنه في الضاحية الجنوبية لبيروت، لكنه اضطر إلى الفرار مرة أخرى في 27 أيلول بعد أوامر الإخلاء التي أصدرتها القوات الإسرائيلية. وانتهى به الأمر مع عائلته، في موقف سيارات سكاي بار.

وأضاف عسيلي: “لم نتمكن من العثور على شقة، لا توجد أي شقة”.


أما ابنته زينب، 45 عاماً، التي كانت تعيش في جزء آخر من الضاحية الجنوبية، ففرت إلى هناك مع أطفالها الأربعة في الليلة نفسها، وهي لا تعرف إذا كان منزلها لا يزال قائماً.

وفي بيروت والقرى الجبلية المحيطة بها، اختفت قوائم الشقق المعروضة للإيجار، وارتفعت الأسعار بشكل كبير.

أسعار جنونية

وطلب بعض أصحاب العقارات دفع إيجار 6 وحتى 12 شهراً مقدماً، في حين طالب آخرون بفحوصات لخلفيات المستأجرين المحتملين للتأكد من أنهم ليسوا من حزب الله.


تركز المتطوعات مثل نجوى زيدان، 60 عاماً، على مساعدة أسرة واحدة في كل مرة، وسبق لها فعل ذلك أثناء الحرب الأخيرة في 2006، ومع تصاعد القتال، بدأت على الفور إعادة بناء شبكتها، وقالت: “دخلت إلى واتس آب وبدأت أسأل هل يعرف أحد شقة فارغة؟”. وبمساعدة الأصدقاء، وجدت نجوى منازل لـ 32 عائلة حتى الآن، إما مجاناً أو بإيجارت معقولة.


ويقيم بعض النازحين في شقق فاخرة فارغة، ويقتحمون المباني بمساعدة الجماعات السياسية المحلية التي وضعت حراساً خارجها في أواخر الأسبوع الماضي، ومنعت الصحافيين من دخولها.

ولم تكن أغلب هذه المباني مأهولة بالسكان قط، بين أكثر من 31% من الوحدات الفاخرة الشاغرة في العاصمة، وفق باحثين في الجامعة الأمريكية في بيروت.


وكانت هذه المباني رمزاً للانهيار المالي في البلاد، لكنها الآن تمثل أزمة النزوح المتناميةالملابس المغسولة معلقة على درابزين زجاجي، والأطفال يلعبون على شرفات تطل على أفق المدينة.

أوضاع صعبة

وفي مبنى قديم ينتظر الهدم في منطقة الحمرا، قال السكان للصحيفة إن نحو 40 كانوا يعيشون في كل شقة. والآن أصبح لديهم الكهرباء، بعد وصلهم بشبكة الكهرباء المحلية، وتأتي شاحنة مياه في الصباح، لكن الإمدادات “بالكاد تكفي طوال اليوم”، كما قالت إحدى النساء، التي تساءلت، مناشدة المجتمع الدولي: “كيف يمكنهم أن يقبلوا ما يحدث لنا؟ كيف يمكنهم أن يبشروا بحقوق الإنسان لكنهم يغضون الطرف عن هذا؟”.

بدوره، قال المحامي فؤاد دبس إن الاستيلاء على المبنى من شأنه أن يؤدي عادة إلى عقوبات مدنية أو جنائية، لكن على السلطات اللبنانية أن تأخذ “المصلحة العليا” في الاعتبار، وتضع رفاهة النازحين فوق حقوق الملكية.

وقال متحدث باسم الشرطة اللبنانية لصحيفة “واشنطن بوست” إنهم سيخلون المباني فقط، عند العثور على بدائل مناسبة: “إنه وضع حساس، لكننا نحاول حله”.

ولكن هناك عدد قليل من الحلول السكنية القابلة للتطبيق على المدى الطويل. فمعظم الملاجئ عبارة عن مدارس عامة، حولت على عجل من قبل الحكومة، حيث أزيلت أجهزة العرض، وأحضرا المراتب، وحولت الفصول الدراسية إلى أماكن إقامة مشتركة.


وفي مدرسة في صيدا، على بعد 25 ميلاً جنوب بيروت، كانت أربع عائلات تقيم في غرفة واحدة.

كان المعلمون والطلاب يستعدون للعام الجديد، وألصقت قوائم الواجبات المدرسية على كل باب، لكن وزارة التربية والتعليم أعلنت، يوم الأحد أن المدارس في المناطق المتضررة ستنتقل إلى التعلم عن بعد.


انتقلت نعيمة علي، 75 عاماً، مرتين بالفعل بعد تدمير منزلها في قرية عيترون، ولأنها لم تتحمل تكاليف استئجار شقة، انتهى بها الأمر في الملجأ، حيث قالت إن أولويتها الوحيدة هي “الأكل، وأضافت أن “الأمر أصعب بكثير” من حرب 2006.

لفتت إلى أنه لا وجود لقدر كبير من الخصوصية في الملاجئ، واشتكت من امتناعها عن خلع حجابها بسبب الرجال في الغرفة.

كذلك، رفض العديد من الملاجئ استقبال غير لبنانيين، خاصة السوريين، الذين فر عدد منهم إلى هنا بسبب الحرب الوحشية في بلادهم.

بدوره، ال السوري أحمد عبد الله، 37 عاماً، إنه وعائلته فروا من منزلهم في الضاحية الجنوبية في 26 أيلول “وليس في جيوبنا أي شيء”.


وبعد أن رفضهم ملجأ، اضطروا إلى النوم على ممشى ساحل بيروت، وبعد يومين، انتقلوا إلى حديقة في وسط المدينة.

وفي سياق حديثه، قال عبد الله: “حصلنا على مرتبتين للنوم عليهما هناك، لكننا عائلة من خمسة أفراد”.


ولفت إلى أن حراس الأمن من المباني الفاخرة القريبة طردوهم من الحديقة يوم الأحد، ما أثار خوف أطفاله، فانتقلوا إلى موقف للسيارات مع عائلات نازحة أخرى، وفي إحدى الليالي الأخيرة، كان بعضهم في خيام مؤقتة بينما تجمع آخرون تحت شجرة عيد الميلاد.