العدو يقاتل ويبحث عن استراتيجية الخروج
مع استنفاد العمليات العسكرية المجدية، بما فيها عمليات التوغل البري لجيش العدو، تصبح قيادته أمام تحدّي بلورة استراتيجية خروج سياسي، تجنباً للغرق في حرب استنزاف طويلة. حيث لا يخفي قادة العدو وخبراؤه أن هذا السيناريو، لن يحقق أي نتائج إيجابية إضافية، بل سيتحول أيضاً إلى أداة ضغط تصاعدية على مؤسسة القرار السياسي والأمني وسيؤدي الى انقسام حاد في الجمهور الإسرائيلي.
وقد تبلور هذا التحدي، بعدما تبيّن للعدو أنه لم ينجح في تدمير قدرات حزب الله العسكرية ولا في تفكيك منظومة القيادة والسيطرة لحزب الله ولا في إضعاف أدائه العملياتي، إذ تظهر التطورات أن الحزب نجح في احتواء الصدمة واستعاد المبادرة العملياتية العسكرية وانتقل إلى العمل
على فرض توازنات بردود تطاول العمق الإسرائيلي. وربما تساهم مجموعة متغيرات مرتقبة على المستويين الإقليمي (الردود الإسرائيلية الإيرانية المتبادلة وما ستؤول إليه) والدولي (الانتخابات الرئاسية الأميركية وما سينتج عنها) في تأخير تكيف العدو مع الوقائع الميدانية على الحافة الأمامية في جنوب لبنان ومع الضربات الصاروخية التي تتلقاها جبهته الداخلية، على أن تتبلور المسارات السياسية والميدانية في ضوء هذين المتغيّرين.
ويبدو واضحاً أن مشكلة العدو تتركز في أن طموحاته السياسية والأمنية أبعد مدى بكثير من الوقائع الميدانية التي حقّقها، في ظل استمرار صمود المقاومة التي لها امتداد اجتماعي واسع لا يمكن تجاهله في أي ترتيبات سياسية تهدف - من ضمن عناوين أخرى - إلى إحداث تحول في التوازن الذي يحكم الواقع اللبناني.
ويعود تصميم كيان العدو على هذا الهدف، إلى كونه يشكل أحد طموحاته التي واكبته طوال تاريخه، ومع كل متغيّر إقليمي كان يحاول أو يدرس خيار المبادرة العدوانية في هذا الاتجاه. أضف أنه بذلك يضمن عدم تبلور قوة مقاومة في لبنان تشكل سداً أمام أطماعه في لبنان وانطلاقاً منه.
فضلاً عن أنه يرى أن أي سلطة سياسية لا تتبنى مطالبه وتحرص على تنفيذها وتعمل على عزل المقاومة وقاعدتها الاجتماعية تهديداً لأي مكتسبات مفترضة.
من جهة أخرى، إذا كان العدو يتلقى الردود من المقاومة التي تطاول جبهته الداخلية رغم سياساته التدميرية، فهي ستكون أقدر على الرد على أي هجمات له في أعقاب الحرب في مقابل أي اعتداءات ينفذها في نسخة مكررة لما يجري في الضفة وقطاع غزة، حيث يطالب العدو بامتلاك الجيش حرية عملياتية في المرحلة التي تلي الحرب.
مع ذلك، أثبتت تجارب الصراع مع العدو أنه عادة ما يرفع السقف السياسي وطموحاته الى أقصاها، ويسعى إلى تحقيق ما أمكن منها. ولكن عندما يرى صموداً يحول دون تحقيقها، ومقاومة تجبي منه أثماناً متراكمة وتصاعدية كان يتراجع إلى حدودها الدنيا.
ويتأكد هذا السيناريو أنه عندما بلور هذه السقوف المبالغ بها كان يستند إلى رهان عملياتي يفترض نجاحه، إلا أنه فوجئ بفشله عندما عاد حزب الله إلى دك جبهته الداخلية بصليات صاروخية لم تنجح محاولاته العسكرية دون تواصلها وتصاعدها.