نتنياهو ينتظر «الجائزة الكبرى»: ضم الضفة... بمتناول اليد!

نتنياهو ينتظر «الجائزة الكبرى»: ضم الضفة... بمتناول اليد!

احمد العبد

رام الله | في قاعة فخمة، نظيفة، مبهرة، أَظهرت المملكة السعودية بذخها لاستقبال القادة العرب والمسلمين في قمة غير عادية، عُقدت للوقوف على تداعيات حرب الإبادة في قطاع غزة، والعدوان على لبنان. وكما كان متوقعاً، انهالت الخطابات الباردة من أفواه الملوك والرؤساء، في استعراض لغوي لتشخيص ما يجري في المنطقة، من دون أن يلزمهم ما يقولونه بشيء عملياً، حتى حين كان وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، يعلن أن العام المقبل، سيكون عام فرض «السيادة الإسرائيلية» على الضفة الغربية. ولم يكن سموتريتش إلا واضحاً ومباشراً وصريحاً في إعلانه، الذي قال فيه إنه اتّخذ خطوة عملية، وأصدر تعليماته استعداداً لضم الضفة، آملاً في تطبيق خطته بحلول العام المقبل. ومَن مِثل سموتريتش، لا يخفي مخطّطاته ولا أهدافه، ولا يتلطّى خلف الخطابات السياسية الديبلوماسية؛ فهو يقول للعالم كله «إنه حان الوقت، في ولاية دونالد ترامب الثانية، لفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية»، وكأنه يتحدّى: «من الذي سيقف في وجهنا!».

والواقع أن ما عبّر عنه سموتريتش هو في الحقيقة جزء من «الحلم الصهيوني»، الذي يراود قادة الاحتلال على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم السياسية، وهو حلم لا يتوقّف عند الضفة الغربية فحسب، بل يتعدّاها إلى أبعد من ذلك. والواقع أن هذا الحلم تكرّس على أرض الواقع بنسبة كبيرة، بمعنى أن إسرائيل لم تفعل شيئاً منذ احتلال الضفة عام 1967، سوى العمل على الوصول إلى هذه اللحظة، وهي، فعلياً، تفرض سيطرتها على الضفة، ولم يبقَ أمامها سوى الإعلان رسميّاً عن الضم.

ويعمل سموتريتش، من جهته، وفقاً لخطة معلَنة منذ سنوات، شكّلت صلب برنامجه الانتخابي، وأساس اتفاقه مع حزب «الليكود» لتشكيل الائتلاف الحكومي: تعزيز الاستيطان عبر تخصيص مبالغ مالية كبيرة، في موازاة دفع السلطة الفلسطينية إلى الانهيار، فضلاً عن إشعال الأوضاع الأمنية في الضفة على أيدي عصابات المستوطنين، وتعزيز السيطرة عليها عبر الإدارة المدنية، بهدف منع إقامة دولة فلسطينية تكون الضفة جزءاً منها. ويبدو جوهر الخطة واضحاً عبر الإجراءات التي بدأها الوزير منذ دخوله الحكومة، وهي تقوم على انتزاع السيطرة على الضفة من جيش الاحتلال، وتسليمها إلى موظفين مدنيين يعملون تحت إمرته في وزارة الجيش، ونقْل بعض السلطات إلى هؤلاء، في ما يشبه ما كان قائماً قبل «اتفاقية أوسلو»، ودخول السلطة الفلسطينية إلى الأراضي المحتلة. وإلى جانب ما تقدّم، الدفع نحو حلّ السلطة الفلسطينية، وتشجيع الفلسطينيين على الهجرة إلى الخارج، في ما يمثل رؤية مستمدّة من إنذار يوشع بن نون لسكان مدينة أريحا، عشية اقتحامها قبل أكثر من ألفَي عام، والذي جاء فيه: «إن المستعدّ للتسليم بوجودنا هنا فليُسلّم، ومن يرد المغادرة فليُغادر، ومن يختر القتال عليه انتظار الحرب».


تفرض إسرائيل سيطرتها على الضفة ولم يبقَ أمامها سوى الإعلان رسميّاً عن ذلك


ويبدو أن إسرائيل التي ترتكب المجازر على مرأى العالم، لم تَعُد تكترث لكلّ بيانات الإدانة والاستنكار، وهي ترى نفسها محصّنة بالقوّة الأميركية. لذلك، لم تقلق المواقف الدولية من تصريحات سموتريتش، بنيامين نتنياهو، الذي سارع بدوره إلى التوافق مع رؤية الضمّ وفرض السيادة. وفي هذا الإطار، ذكرت صحيفة «إسرائيل اليوم» العبرية، أن هناك حالة من التفاؤل لدى رئيس الحكومة والمحيطين به، بعد فوز ترامب في الانتخابات، مضيفة أن «محيط نتنياهو، في الأيام الأخيرة، أكثر هدوءاً وتفاؤلاً بعد انتصار ترامب، وإقالة غالانت، ودخول مؤيّدي ساعر إلى الحكومة في وظائف ذات مغزى، ما يجعل الائتلاف الحكومي غير مهدّد وبعيد من التفكّك، بل إنهم يخطّطون لاتخاذ خطوات ذات مغزى ودراماتيكية على نحو خاص». وأشارت الصحيفة إلى أن «كلمة السيادة على الضفة الغربية عادت إلى جدول الأعمال في محيط نتنياهو»، إذ «بدأ المسؤولون، منذ الآن، العمل على المراحل الأولى الخاصة بخطة السيادة على أجزاء من الضفة، مثل مستوطنة معاليه أدوميم وغور الأردن وغوش عتصيون». كما بيّنت أن «مسألة السيادة يشار إليها هذه الأيام باعتبارها مهمّة مستقبلية، وفقط في أوساط أناس نتنياهو، ولا تخرج كخطة علنية واضحة ومرتبة. ومع ذلك، فإنها تندرج في إطار الخطط ذات المغزى التي يعتزمون العمل عليها في الحكومة بعد تسلّم ترامب مهمات منصبه».

ولفتت إلى أنه بينما يُطرح موضوع «السيادة» مرّة أخرى على الطاولة، فإن الحكومة تعرف أن هذه هي «الجائزة الكبرى». وتابعت: «الإنجاز الأول المطلوب، هو انعقاد مجلس التخطيط الأعلى للمستوطنات، والذي انعقد آخر مرة في شهر آب الماضي»، مؤكدة أنهم «في الحكومة، انتظروا بصبر حتى نهاية حملة الانتخابات، في ضوء رسائل واضحة نقلها نتنياهو بأنه لا يريد تعريض انتصار ترامب لأيّ خطر كان». وتوقعت أن ينعقد مجلس التخطيط في الأسابيع المقبلة، لإقرار ما بين 7 و11 ألف وحدة استيطانية جديدة، وإن كان يُحتمل أن يتأجّل انعقاده بسبب مصالح إسرائيلية أخرى، تتعلّق بالذخائر والأسلحة الواردة من الولايات المتحدة. وأردفت: «التطلُّع بعد بدء ترامب رئاسته، هو لانعقاد مجلس التخطيط الأعلى كل ثلاثة أشهر، بهدف الوصول إلى الرقم المنشود: مليون إسرائيلي في الضفة في غضون عقد».