وفرة الخضر والفاكهة في الحرب: نذير خير للمواطن وشرّ للمزارع؟

وفرة الخضر والفاكهة في الحرب: نذير خير للمواطن وشرّ للمزارع؟

بعد أكثر من شهر على توسّع العدوان الصهيوني على لبنان، واستمراره بهمجية ووحشية، شبيهة بالسيناريو الدموي والتدميري الذي اعتمده العدو في غزة، بدأ القلق يسود أوساط المواطنين، من تأثيرات الحرب في معيشتهم عمومًا، وأمنهم الغذائي خصوصًا، لا سيّما في سياق التهديد المستمر بالحصار البرّي والبحرّي والجوّي، والذي دخل مرحلة التنفيذ برّا عبر بدء قصف المعابر الحدودية مع سوريا، من خلال الاعتداءات اليومية التي تصبّ في هذا السياق.

هذه المخاوف الاستهلاكية والغذائية، تبدّدها-حتى الآن-أسعار السلع والخدمات التي لا تزال شبه مستقرة، مع تفاوت بسيط هنا وهناك، سببه طمع بعض تجار الحروب والأزمات ، وكذلك الأمر، هناك شبه استقرار بالنسبة لأسعار الخضر والفواكه، والتي تعتبر من أساسيات مائدة اللبنانيين، بل من أهم مقوّماتها، وفي جولة سريعة على الأسواق، يمكن ملاحظة وفرة الإنتاج الزراعي بأسعار مقبولة جدًا، وأحيانا منخفضة جدًا، خصوصًا على “عربات الخضر”، المنتشرة على امتداد الطرقات العامة في بعض المناطق الشعبي 

فيما يلي قصدنا أحد محال بيع الخضر والفواكه عند أطراف الضاحية الجنوبية، وإليكم أسعار بعض الأنواع بالكيلو: خيار بين 60 و90 ألف ليرة، بندورة بين 50 و70 ألف ليرة، حامض بلدي 70 ألف ليرة، وأجنبي (سوري) 50 ألف ليرة، بطاطا 60 ألف ليرة، بصل بين 50 و70 ألف ليرة، ثوم بين 300 و450 ألف ليرة، كوسى بين 100 و 200 ألف ليرة، باذنجان 50 ألف ليرة وما فوق، قرنبيط 75 ألف ليرة، ملفوف 30 ألف ليرة، لوبياء 300 ألف ليرة، فليفلة 150 ألف ليرة، جزر 60 ألف ليرة، أما الحشائس للباقة الواحدة: بقدونس ونعناع 25 ألف ليرة، بصل أخضر 50 ألف ليرة، خس 50 ألف ليرة، فيما أسعار الفواكه بالكيلو: عنب يين 150 و200 ألف ليرة، برتقال وكلمنتين بين 50 و60 ألف ليرة، تفاح بين 75 و100 ألف ليرة وما فوق، موز بين 35 و40 أو 50 ألف ليرة.

لا تأثير للحرب في الأسعار حاليًا


حول ما إذا أدّت الحرب إلى تغيّر أو ارتفاع في أسعار الفواكه والخضر عن المرحلة السابقة، أشار عباس (صاحب محل لبيع الخضر والفواكه) لـ “الديار”، إلى ارتفاع أسعار بعض أنواع الخضراوات منها الكوسى واللوبيا والباذنحان والقرنبيط في هذه الفترة، بسبب انتهاء موسم هذا النوع من الخضر مع حلول فصل الشتاء، وبداية موسم الزراعة في الخيم البلاستيكية، لكن ليس بسبب الحرب التي لم تؤثر لى حدّ الآن كثيرًا في أسعار الخضر والفواكه عمومًا، فقد بقيت الأسعار على حالها، باستثناء أسعار الحمضيات التي ارتفعت قليلًا، كون مصدرها الأساسي هو الجنوب اللبناني، حيث كان سعر كيلو الحامض أو البرتقال بحدود 50 ألف ليرة، فيما وصل اليوم إلى 70 ألف ليرة، وأحيانا أكثر بقليل.


الإنتاج المحليّ وفير


عن أسباب وفرة المنتجات الزراعية واستقرار أسعارها، أشار رئيس جمعية المزارعين اللبنانيين أنطوان الحويّك للديار، إلى أنّه يوجد إنتاج محليّ وفير، رغم أنّ هناك مناطق لا تستطيع حصد وجمع إنتاجها وإيصاله إلى الأسواق وبخاصة في الجنوب، مرجعًا ذلك إلى ضعف الاستهلاك في لبنان عمومًا، ما أدّى بدوره إلى تدنّي الأسعار، ولفت إلى أنّه حتى لو كان الإنتاج الواصل إلى الأسواق قليلًا، والاستهلاك متدنيا جدًا، سيكون هناك فائض في الأسواق، ما أدّى بالتالي إلى “ترخيص” الأسعار، وأعطى مثالًا حول فاكهة الموز، قائلا إنٌه رغم أنّ هناك منطقة كبيرة في الجنوب اليوم لا تستطيع جمع محصولها من هذه الفاكهة، إلا أنّه حتى في المناطق الأخرى التي يُجمع فيها محصول الموز، يبلغ سعر الرطل ٣٠ الف ليرة، وهو سعر لم نشهد مثله مطلقًا في التاريخ، مع أنّ الكلفة أعلى بـ ٣ مرات زيادة عن السنة الماضية، فيما السعر يبلغ نصف سعر السنة الماضية أو أقل، ومن جهة ثانية، طمأن بشأن مخاوف الناس من ارتفاع الأسعار عمومًا، بأنّ خط الاستيراد من سوريا لا يزال مفتوحًا، ما يعني أنّ أي سلعة قد يرتفع سعرها قليلًا في لبنان، فإنّها تدخل من سوريا بأسعار مقبولة.


هل انخفاض الأسعار مؤشر إيجابي للمواطن والمزارع معًا؟


في إجابته، وصف الحويّك تأثير واقع السوق الحالي في الزراعة بالكارثي، فالمزارع لن يستطيع أن يبيع كي يعيش، ويسترجع رأسماله في الوقت نفسه، ليزرع في العام التالي، ما يعني أنّ هناك مشكلة وهي أنّه لن يقدر أن يجدّد زراعته، ما سيؤدي بالتالي إلى إنتاج أقلّ بكثير من الإنتاج المعتاد في الأسواق، لافتًا إلى أنّ اليوم هناك فائض، لأنّ الاستهلاك قليل، فيما -في المستقبل القريب- لن يكون هناك عرض، وسنعتمد فقط على الاستيراد.


تأثير الحرب في الزراعة

حول تأثير الحرب في القطاع الزراعي عمومًا، وفي المزارعين خصوصًا، وصفه الحويك أيضا بالكارثي، والسبب أنّ هناك مناطق كبيرة من الجنوب، لا يستطيع المزارعون فيها ريّ بساتينهم، باستثناء مياه الأمطار التي هطلت مؤخرا، إضافة إلى مغادرة الكثير من العمال وأصحاب المشاريع والبساتين لتلك المناطق، ما يوحي بأنّ هناك كارثة على صعيد الإنتاج فيها، فمثلًا المزارع الذي كان يحضّر على مدى عام كامل شجر الموز والأفوكادو والحمضيات والخضر، لم يستطع قطفها، ما يعني أنّ هناك نكسة على صعيد المزارع في مناطق الجنوب، وكذلك مناطق البقاع التي تتعرّض للعدوان امتدادًا من رياق حتى الفاكهة والعين في البقاع الشمالي، حيث يعاني المزارعون مشكلة كبيرة هناك، إذ لم يعد بإمكانهم إكمال الاهتمام بأرضهم، أو ربما خرجوا من مناطقهم، ولم يعودوا قادرين على العمل في السهول كلّيا.


لا صندوق وطني للضمان الزراعي


أفاد الحويّك أنّ هناك أكثر من ٢٠ ألف مزارع نزحوا من أراضيهم، وهؤلاء كان يجب التعويض عليهم ومساعدتهم، وكان يفترض أن تقرّ الدولة صندوقًا وطنيًا للضمان الزراعي من الكوارث، الذي طُرح في العام ٢٠٠٥ في مجلس النواب، ولكن تمّ إيقافه من قبل الاحزاب السياسية، في حين كان يجب أن يكون موجودًا ويتّم التعويض على المزارعين النازحين منذ بداية الحرب، ولو كان هذا الصندوق موجودًا، لأعطي كلّ مزارع مبلغًا معينًا لدعمه كي يتمكن من الصمود حتى يعود إلى أرضه.


وأردف أنّ الدولة بكل احزابها، لم تقم بما يجب حين كان بإمكانها تهيئة القطاع الزراعي للأزمات والكوارث، ودعم المزارع كي يبقى صامدًا، بل اوقفت الأحزاب كلّ المشاريع، ولن يتمكن المزارع الذي يريد العودة -بعد فترة- إلى أرضه من أن يزرع لأنّه أفلس، ولا يمتلك رأس المال، ولا نستطيع دعمه كي يبقى صامدًا، ولا نستطيع تعويضه وتقديم المال إليه، لأنّه ليس لدينا مصرف انماء زراعي، ولا صندوق للضمان من الكوارث، وختم الحويّك: “الدولة هي المسؤولة… كنا طارحينهم ومنعونا نحقّقهم… ونأمل ألا يحصل حصار بري وبحري وقطع الطرقات بين المناطق ساعتها العوض بسلامتك على المزارعين وعلى الناس”.


خلاصة القول…


يبقى توافر الخضر والفواكه واستقرار أسعارها إلى حدّ ما، لطفا إلهيا، وأمرا إيجابيا للمواطن في خضم الحرب، لكنّه ليس كذلك للمزارع الذي يحتاج الى الدعم للصمود والتعويض ولاحقًا للانطلاق من جديد، بخاصة في مناطق العدوان، ليبقى السؤال: أين الدولة من هذه المسؤولية الوطنية في ظلّ تهديد صهيوني لأمننا الغذائي، وأيضًا ماذا إن فرض العدّو حصارا شاملًا على لبنان مثل غزة، هل من خطة طوارئ زراعية إنقاذية؟ سؤال برسم المعنيين فاقتضى تسليط الضوء والتنبيه والتحذير!


يمنى المقداد – “الديار”