مخزون المحروقات ضئيل بسبب غياب التأمين!

مخزون المحروقات ضئيل بسبب غياب التأمين!


هل دخل لبنان في اقتصاد الحرب؟ وهل تتصرّف الدولة والقطاع الخاص على هذا الأساس نظراً لتسارع وتيرة العدوان الإسرائيلي على لبنان؟ هل القطاع الخاص، بما أن الدولة تُدار من دون رأس وبحكومة تصريف أعمال، يستعدّ من جانبه، للأسوأ، خصوصاً في حال حصول السيناريو الأسوأ، وهو إغلاق المعابر البحرية والجوية والبرية، الرئة الأساسية للاقتصاد، وبالتالي توقف كليّ لحركة الاستيراد إلى لبنان والتصدير منه؟


هذا السيناريو المتشائم، لا بدّ من الاستعداد له والاحتراز منه، لا سيّما بعد التهديد الذي وصل إلى مئات الموظفين في ميناء حيفا شمالي إسرائيل، ومفاده أن الميناء سيكون هدفاً لهجوم صاروخي. إلّا أنّ الظاهر أنّ مخزون لبنان في الحرب هو نفسه في السلم! فلا جهة حكومية أوعزت إلى القطاع الخاص للتخزين أو الاحتياط بنسبة كبرى، ولا الدولة بادرت إلى تكوين احتياطي إضافي من السلع الحيوية، لأسباب تتراوح بين عدم القدرة المالية وعدم وجود طاقة استيعابية للتخزين الإضافي.


ليس جديداً على التجار والمستوردين في لبنان التعامل مع فرضية توقّف الاستيراد، لأنهم اختبروا هذه الأزمة في السنوات الماضية، أولاً مع اندلاع الأزمة المصرفية في لبنان وتراجع القدرة المالية على الاستيراد، وثانياً عند تفشّي جائحة كورونا وتعثّر وتيرة الاستيراد المعتادة ليليها انفجار مرفأ بيروت. لكنّ هذه المرّة لن تكون مماثلة، إذ إنّ عملية الاستيراد قد تتوقّف بالكامل في حال استهداف المرافئ، خصوصاً البحرية التي تتمّ عبرها معظم عمليات استيراد البضائع إلى لبنان، فهل يقوم المستوردون بتكوين احتياطي إضافيّ من السلع؟


أكد مدير عام وزارة الاقتصاد والتجارة محمد أبو حيدر أنه طالما أنّ المعابر البحرية والجوية تعمل بشكل طبيعي، لن يكون هناك نقص في أي سلعة، “ولا تزال حركة الاستيراد لغاية اليوم قائمة لا بل تشهد ارتفاعاً لناحية السلع الغذائية الأساسية مثل الحبوب والمعلّبات التي تشهد طلباً كبيراً عليها، إلّا أن مخزون تلك السلع لم ينخفض بل حافظ على مستواه نتيجة انعدام الاستهلاك في المناطق المتضرّرة مقابل ارتفاعه في المناطق التي يتمركز فيها النازحون، حيث زادت حركة الشراء في بيروت وجبل لبنان بنسبة 40 في المئة على سبيل المثال”.


وأوضح أبو حيدر لـ”نداء الوطن”، أنّ اللافت والأهمّ هو ارتفاع نسبة الاستيراد في القطاع الصناعي للمواد الأوّلية، وهو إجراء احترازي في حال حصول أي نوع من الحصارات، يمكن أن يؤمّن مخزوناً لمدّة تتراوح بين 3 إلى 4 أشهر من المواد الأولية للقطاع الصناعي خصوصاً الصناعات الغذائية، يقابله مخزون للقمح كافٍ لمدّة 3 أشهر، وللغاز المنزلي كافٍ لشهرين، وشهر للمشتقات النفطية.


وأكد أنّ حركة الاستيراد زادت مقارنة بالأشهر الماضية لناحية المواد الغذائية، لكنّها لم ترتفع بشكل إجمالي لأنّ استيراد الكماليات والعلامات التجارية الفاخرة والسيارات تراجع. مؤكداً ردّاً على سؤال أنّ مخزون لبنان الاعتيادي من مختلف السلع الأساسية مؤمّن وقائم، ولا شيء أكثر!


وعلى صعيد حركة مرفأ بيروت، بدأت تشهد منذ أيار الماضي، حركة متزايدة في الاستيراد مع بدء التجار تخزين فائض من البضائع المستوردة في مستودعاتهم، تحسّباً لتمدّد العدوان الإسرائيلي إلى الداخل اللبناني، وقد سجّلت حركة الحاويات المستوردة برسم الاستهلاك المحلّي، ارتفاعاً بنسبة 6 في المئة في الأشهر الثمانية الأولى من العام الحالي مقارنة بالفترة نفسها من العام 2023، حيث زاد مجموع البواخر بنسبة 15 في المئة في تلك الفترة.


أمّا منذ أيلول ولغاية اليوم، فقد أوضح رئيس الغرفة الدولية للملاحة في بيروت إيلي زخور، أن حركة الاستيراد لم تشهد ارتفاعاً يشير إلى تهافت على الاستيراد أو التصدير تحسّباً لإمكانية ضرب المرافئ، بل هناك حركة استيراد وتصدير طبيعية، عازياً ذلك إلى قيام المستوردين في السابق، منذ تصاعد التوترات في البحر الميت وتغيير السفن مسارها عن قناة السويس، ومنذ انخراط “حزب اللّه” في حرب الإسناد، باستيراد كميات كبيرة من البضائع وتخزينها في مستودعاتهم، أوّلاً لاستباق ارتفاع كلفة الشحن التي زادت لاحقاً أكثر من 3 أضعاف وثانياً، تحسّباً لإمكانية ضرب المرافئ وتوقّف الاستيراد. وبالتالي، أكد زخور لـ”نداء الوطن” أنّ مخزون التجار كبير ولم يستنزف خلال موسم الصيف السياحي كما كان متوقّعاً، ما جعل العرض اليوم يصبح أكبر من الطلب المحلّي وحافظ على مخزون كافٍ من السلع الاستهلاكية، لا يستدعي الاستيراد حالياً بشكل أكبر من المعتاد، طالما أنّ المرافئ لا تزال تعمل وطالما أنّ هناك اتفاقاً دولياً ولو غير معلن، على عدم ضرب المرافئ الحيوية، إن البحرية أو الجوية.


وبالنسبة إلى حركة التصدير، قال زخور إن ضرب معبر المصنع لم يعرقل حركة التصدير لأنه كان يعتمد فقط للتصدير إلى العراق، سوريا والأردن. أما التصدير إلى دول الخليج فيتمّ عبر المرافئ البحرية، “وطالما هي تعمل بشكل اعتيادي، فإنّ حركة التصدير لا تزال على حالها”.


نقطة تحوّل


من جهته، اعتبر نقيب مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي أنّ لبنان دخل في اقتصاد الحرب في 17 أيلول الماضي، وهو تاريخ تفجير أجهزة البيجر، معتبراً أنها نقطة التحوّل الأساسية التي قلبت المعايير. وأوضح أنه رغم تصاعد التوترات داخلياً منذ تلك اللحظة، “لا نستطيع القول إن حركة الاستيراد وعملية تخزين البضائع ازدادت تحسّباً للأسوأ، لأننا لا نملك أرقاماً رسمية حول حركة المرفأ منذ آب الماضي”.


وشدّد بحصلي لـ”نداء الوطن” على أن لا أحد يملك جواباً مقنعاً ويقيناً حول الخطة الاحترازية في حال حصول حصار بحري، علماً أنه ولغاية اليوم لا تزال كافة المنتجات الغذائية والاستهلاكية متوفرة وبكميات كبيرة في كل المناطق التي لم يطلها القصف، “ما يعتبر دليل عافية”. مذكّراً أنه خلال حرب تموز 2006 التي دامت 33 يوماً وحصل بعدها حصار بحري لفترة شهر ونصف الشهر، لم تشهد السوق المحليّة انقطاعاً بالمواد الغذائية والاستهلاكية.


وأكد بحصلي أنّ النقطة الأساسية الوحيدة المهمّة هي أنّ المرافئ البحرية والجوية ما زالت تعمل، “وطالما أنها تعمل، يمكن “تصفير العدّاد”، والقول إنّ المخزون يكفي لمدّة شهرين على الأقلّ في حال عدم حصول تهافت على شراء وتخزين البضائع”. لافتاً إلى أنه على صعيد قطاع المواد الغذائية، فإنّ حركة الاستيراد لا تزال حالياً على وتيرتها المعتادة والطبيعية، مع العلم أنها تواجه بعض الصعوبات على صعيد تحفّظ بعض الموردين على التصدير إلى لبنان وعلى صعيد ارتفاع كلفة التأمين خوفاً من تصاعد التوتّرات محلياً.


احتياطي المحروقات: 3 أسابيع


ولناحية قطاع المحروقات، أوضح رئيس تجمّع شركات مستوردي النفط مارون شماس، أن مخزون النفط في لبنان يكفي لتلبية احتياجات البلاد لمدة ثلاثة أسابيع يمكن أن تصل إلى 6 أسابيع في حال أخذ المستهلكون من مستشفيات ومعامل ومدارس ومؤسسات كبرى، في الاعتبار، إرشادات مستوردي المحروقات التي تفيد بتخزين أقصى الكميات الممكنة والتي تتحمّلها أماكن التخزين لديهم، احترازاً للأسوأ.


وشرح لـ”نداء الوطن” أن الشركات المستوردة لا تستطيع استيراد كميات كبيرة من المحروقات، لأن شركات التأمين تضع لها سقفاً معيّناً لا يمكنها تخطّيه، كونها لا تغطّي المخاطر على أي كميات إضافية مخزّنة لديها فوق السقف المحدّد، وبالتالي فإن الشركات المستوردة محصورة بتلك الكمية التي تغطي استهلاك السوق لمدّة 3 أسابيع، ولا يسعها تخزين كميات أكبر من ذلك. وبالتالي، اعتبر شماس أنه على صعيد قطاع المحروقات الخاص، لا يمكن وضع أي خطط استباقية واحترازية لاستيراد كميات إضافية من المحروقات تحسّباً لحصول حصار بحريّ، إنما يمكن للدولة القيام بذلك من خلال المبادرة لتكوين احتياطي إضافي من المحروقات إما عبر الاستيراد على حسابها الخاص وتحمّل مخاطر التخزين أو الايعاز إلى الشركات المستوردة بالاستيراد الإضافي على أن تتحمّل الدولة المخاطر، علماً أن إمكانية تخزين المحروقات قائمة في منشآت الزهراني وطرابلس.


على صعيد الأدوية، كشف نقيب الصيادلة جو سلوم أن 700 صيدلية خرجت عن الخدمة في مناطق الضاحية والجنوب والبقاع منها 300 صيدلية دمّرت جزئياً أو بالكامل، ما أدّى إلى صعوبة حصول نازحي تلك المناطق على أدويتهم، وبات الضغط كبيراً على صيدليات المناطق الآمنة في مقابل عدم زيادة الكميات المسلّمة من قبل الموردين إلى تلك الصيدليات.


وأشار إلى أنّ تدمير مخزون تلك الصيدليات بالإضافة إلى عدم إمكانية استخراج مخزون الصيدليات التي خرجت عن الخدمة، يشكل خطراً على المخزون الإجمالي للدواء في لبنان وعلى أمن المرضى.


وأوضح سلوم لـ”نداء الوطن” أنه من أجل عدم تكرار تجربة احتكار الدواء وتخزينه التي شهدها لبنان في 2019، كانت هناك توجيهات لكل الصيدليات وصيدليات المستشفيات بترشيد إعطاء الأدوية للمرضى واقتصارها على حاجتهم لها. معتبراً أنه على الرغم من التطمينات بأن مخزون الدواء يكفي لمدّة 4 أشهر وأن المرافئ البحرية والجوية ما زالت مفتوحة، “إلّا أنه يجب رفع نسبة استيراد الأدوية وتخصيص رحلات إضافية لاستيراد الأدوية والمواد الأولية لصناعة الأدوية محلياً لكي نضمن مخزوناً أكبر، لأنّ المستقبل مجهول وإمكانية فرض حصار بحري أو جوّي تبقى قائمة!”.


كما ناشد سلوم الموردين توزيع مخاطر التخزين بين الصيدليات في المناطق الآمنة مع إعطاء تسهيلات مالية للصيدليات لتخزين كميات كبرى من الدواء، استباقاً لحصول أي انقطاع في طرق الإمداد محلياً، خصوصاً في المناطق البعيدة أو الجبلية.


في المقابل، أكد نقيب مستوردي الأدوية جوزيف غريّب أن لا داعي للهلع، وأن معدل المخزون لكل أصناف الأدوية يكفي لمدّة 4 أشهر، منها مخزون شهر موجود في المستشفيات والصيدليات، و3 أشهر لدى الموردين. موضحاً أن مخزون بعض الأصناف يكفي لمدّة أطول ومخزون أصناف أخرى لمدّة أقلّ، مع الإشارة إلى أن المخزون يتجدّد بشكل يومي. وأكد غريّب لـ”نداء الوطن” أن شركة طيران الشرق الأوسط أعطت مستوردي الأدوية الأولوية في كل الشحنات التي تقوم بها، ما عوّض جزءاً كبيراً من النقص الذي ولّده توقف رحلات شركات الطيران كافة إلى لبنان، “علماً أن بعض الشركات الموردة في الخارج تقوم بإرسال طائرات على نفقتها الخاصة من أجل إيصال الدواء إلى لبنان”.


وأكد أن الخطة الاحترازية لإمكانية حصول حصار بحري وجويّ، “قد تمّ وضعها، ومن الاقتراحات التي تتضمّنها: تجميع البضائع في بلد واحد وإقامة جسر جوّي لنقلها إلى لبنان، وقد تواصلت وزارة الصحة مع الإمارات وقطر في هذا الخصوص، وأبدتا استعدادهما لذلك”.


وحول مخزون الصيدليات التي خرجت عن الخدمة، أوضح غريّب أنه لا يشكل سوى 3 في المئة من إجمالي مخزون الأدوية، ولا يشكّل أي خطر على أمن الدواء.


رنى سعرتي – نداء الوطن