"الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان" أطلقت تقريرها السنوي لعام 2024 وآخر بعنوان "لبنان تحت العدوان

أطلقت "الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان" المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب، التقرير السنوي لعام 2024 "حماية وتعزيز حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني: مواجهة التعذيب والانتهاكات الجسيمة"، والتقرير الخاص "لبنان تحت العدوان" - تحديات دولة القانون واحترام حقوق الإنسان خلال الحرب الإسرائيلية على لبنان، في فندق "موفنبيك"، في حضور الامين العام لـ"الشبكة العربية للمؤسسات الوطنية لحقوق الانسان" سلطان بن حسن الجمالي ،رئيس الهيئة الوطنية لحقوق الانسان" الدكتور فادي جرجس ،نقيب المحررين جوزيف قصيفي ،نائب نقيب المحررين صلاح تقي الدين ، ممثلين عن منظمات تابعة الامم المتحدة وجمعيات وهيئات حقوقية وانسانية واجتماعية دولية وإقليمية ومحلية.
بعد النشيد الوطني قدمت المحامية أمينة سر الهيئة رنا الجمل، كلمة ترحيبية وقالت : " لبنان بلد ال ١٠٤٥٢ كلم٢، لكن هذا البلد على الرغم من صغر مساحته، استطاع شاب لبناني منه وكان العربي الوحيد ٱنذاك أن يلعب دورا بارزا في صياغة وإعداد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام ١٩٤٨. لبنان المتعدد الطوائف يشكل في تعدده فسيفساء جميلة، ونتمنى الا تحكم هذه الفسيفساء الطائفية، بل أن تحكمها الإنسانية".
وأكدت ان "الهيئة في لبنان لا تنام على حرير منذ إنشائها، بل تسعى جاهدة بشخص رئيسها وأعضائها أن تعزّز وتكرس ثقافة حقوق الانسان لأنها تعي أن المضي قدمًا في هذا الدرب سيجعل من لبنان قبلة للعلم والعلماء وطلاب الحرية. واليوم نحن مجتمعون تحت مظلة كرامة الإنسان وحقه في العدالة والحرية".
الجمالي
ثم القى الجمالي كلمة جاء فيها : "أعبر عن امتناني العميق للهيئة الوطنية لحقوق الإنسان المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب في لبنان، وعلى رأسها الدكتور فادي جرجس، لمنحي الفرصة لمشاركتكم في إطلاق التقرير السنوي لسنة 2024، الذي يعكس الجهود الدؤوبة لحماية وتعزيز حقوق الإنسان في لبنان".
وقال : "يُظهر تقرير الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان في لبنان جهودًا كبيرة رغم محدودية الموارد المالية والبشرية، مما يعكس حسن إدارتها وانفتاحها على التعاون مع المجتمع المدني وأصحاب المصلحة. خلال عام 2024، حيث تابعت الهيئة حالة الحقوق في البلاد، موثقةً الانتهاكات الاقتصادية والسياسية وتداعيات العدوان الإسرائيلي، لا سيّما تلك المرتبطة بالقانون الدولي الإنسان كما قيّمت مدى التزام الدولة اللبنانية بالمعاهدات الدولية، وسلّطت الضوء على أوضاع الفئات الأكثر تهميشًا، وقدّمت توصيات لتعزيز المساءلة وضمان الحقوق والحريات الأساسية. منفذةً لعدد من الأنشطة الميدانية لرصد أوضاع النازحين، مصدرة لعدد من التقارير حول ظروف الاحتجاز في السجون، مؤكدةً ضرورة تحسينها وضمان العدالة للمحتجزين. وبسياق آخر وبسياق تعزيز تعاونها على الصعيد الدولي؛ شاركت الهيئة في عدد من المؤتمرات الدولية ومنها المؤتمرات الدولية التي نظمتها الشبكة العربية مع شركائها بالأمم المتحدة، وكان لها مساهمات في النقاشات في جلسات وفرق عمل في هذه المؤتمرات، مسلطة الضوء على الانتهاكات مقدمة المقترحات لتعزيز جهود مكافحة الاتجار بالبشر وتعزيز حقوق الطفل. كما عقدت عدة اجتماعات مع المسؤولين لبحث الحلول القانونية لتخفيف معاناة المحتجزين، وكذلك المشاركة في نقاشات اللجنة البرلمانية لتحديث القوانين المتعلقة بالسجون، بالإضافة لمتابعتها للإجراءات الحكومية لمواجهة الاعتداءات الإسرائيلية. لذلك نرى أنها ومن خلال هذه الجهود الموضحة بالتقرير؛ تؤكد الهيئة على التزامها الراسخ بحماية الحقوق وتعزيز العدالة رغم التحديات المتزايدة".
تابع : "قامت الهيئة متضمنة لجنة الوقاية من التعذيب، بدورها بالصورة المثلى وذلك وفق الإمكانيات المتاحة؛ فقد اضطلعت وفق صلاحياتها الواسعة المنصوص عليها بقانون الإنشاء، بدور محوري في حماية وتعزيز حقوق الإنسان على التراب الوطني لدولة لبنان. وهذا يعود لتفاني رئيس وأعضاء الهيئة في أداء مهامهم بشكل تطوعي، معتمدين على إمكانياتهم الشخصية وعلى دعم المجتمع المدني لدور الهيئة ما مكنها من الاضطلاع بمهامها، ما يعكس قناعتهم الراسخة بأن الإنسان وكرامته هما جوهر أي جهد حقوقي، مسطرين لأفضل الممارسات للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان بتعاونها وتكاملها مع أصحاب المصلحة بما حقق إمكانية الوصول وتعزيز وحماية حقوق جميع الفئات وخصوصاً المهمشة والضعيفة، لذلك لا يسعني إلا أن أثني وأشجع هذه الجهود الحثيثة والعظيمة والمقدرة".
أضاف:"من هذا المنطلق، أود أن أؤكد مجددًا أننا في الشبكة العربية للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان سنواصل تقديم كل دعم ممكن للهيئة الوطنية لحقوق الإنسان في لبنان، سواء كان ذلك عبر تعزيز تواصلها مع المنظومة الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان، أو من خلال رفع وبناء قدرات أعضائها ومنتسبيها والمتعاونين معها من المجتمع المدني في مختلف مجالات حقوق الإنسان، بما يضمن قدرتها على أداء مهامها بفاعلية واستقلالية. وبالنظر لجهود ونشاط وفعالية الهيئة، نحثها على تقديم ملفها للجنة الاعتماد الفرعية للتحالف العالمي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، ويسعدنا تقديم المشورة اللازمة فيما يخص عملية اعتماد الهيئة أمام التحالف العالمي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، لما لهذا الاعتماد من أهمية في تعزيز دورها على المستويين الوطني والدولي".
ختم:" أود أن أتوجه بخالص الشكر والتقدير لكل الجهات والأفراد الذين يدعمون جهود الهيئة، ويسهمون في إنجاح عملها عبر التعاون والتفاعل الإيجابي مع توصياتها. كما لا يفوتني أن أشكر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والاتحاد الأوروبي على دعمهم لإنجاز هذا التقرير الهام، متطلعين إلى استمرار تعاوننا في سبيل تعزيز وحماية حقوق الإنسان، بما يرسخ قيم الكرامة الإنسانية".
بدوره، قال الدكتور فادي جرجس: "نحن في الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان نعتبر أن الدفاع عن كرامة الإنسان وحقوقه الأساسية هو واجب وطني وإنساني مقدس، ونسعى جاهدين لتعزيز هذه القيم في ظل التحديات الكبيرة التي تواجه وطننا. إن تقريرنا السنوي لعام 2024 يأتي في ظل ظروف استثنائية يمر بها وطننا الحبيب، حيث تواجه بلادنا تحديات كبيرة على الصعد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، إضافة إلى التوترات الأمنية والنزاعات الإقليمية التي أثرت بشكل مباشر على وضع حقوق الإنسان في لبنان".
اضاف:"لقد شهد لبنان خلال السنة الحالية استمرار الأزمة الاقتصادية الحادة التي بدأت منذ عام 2019، التي أدت إلى تدهور ملموس في حياة المواطنين وحقوقهم الأساسية. فارتفاع معدلات الفقر والبطالة وتراجع الخدمات العامة الصحية والتعليمية، جعل من حقوق الإنسان قضية ذات أولوية قصوى تحتاج إلى رصد دقيق وتدخل فوري. لقد تأسست الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب بموجب القانون رقم 62 لعام 2016 ، بهدف مراقبة واحترام الحقوق وحمايتها، وفق أعلى المعايير الدولية، بما في ذلك مبادئ باريس وبروتوكول مناهضة التعذيب. نعمل بمنهجية شفافة ومستقلة، تجمع بين التحليل القانوني والزيارات الميدانية واستقبال الشكاوى، مع الالتزام الكامل بحماية حقوق الضحايا والشهود، وتحقيق التوازن بين الحياد والفاعلية في عملنا الرقابي. في هذا التقرير، وثقت الهيئة العديد من الانتهاكات التي طالت الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ومنها تضرر العملية التعليمية بسبب الأوضاع الأمنية، حيث اضطرت العديد من المدارس الحكومية إلى الإغلاق أو التحول إلى مراكز إيواء للنازحين، مما حرم آلاف الطلاب من حقهم الأساسي في التعليم ، بسبب تحويل 60% من المدارس إلى مراكز إيواء، وتهجير نحو 400,000 طالب و40,000 معلّم من الجنوب والبقاع . بالاضافة الى إضراب الأساتذة الجامعيين الذي أدى إلى تعطيل آلاف الطلاب، ما عمّق فجوة التفاوت بين التعليم الرسمي والخاص" .
تابع:"كما رصد التقرير التدهور الحاد في مستوى المعيشة نتيجة الأزمة الاقتصادية المستمرة و الفساد المستشري مما أدى الى ارتفاع نسب الفقر والبطالة بشكل ملحوظ. يعاني المواطنون من صعوبة في تأمين الاحتياجات الأساسية كالطعام والدواء والسكن، في ظل ارتفاع الأسعار وانخفاض القدرة الشرائية. حيث شهد لبنان خلال شهر شباط 2024 ارتفاعًا كبيرًا في أسعار الاستهلاك، بحسب ما أفادت به إدارة الإحصاء المركزي، حيث بلغ معدّل التّضخم السّنوي سنة 2024، 45.24% حسب دراسة مؤشر أسعار الإستهلاك الصادرة عن إدارة الإحصاء المركزي. ممّا زاد من الأعباء الماليّة على المواطنين الذين يواجهون بالفعل تدنيًا غير مسبوق في مستويات الدّخل. وفي السّياق، كشف تقرير البنك الدولي الصادر في أيّار 2024 حول الفقر في لبنان عن ازدياد معدلات الفقر بشكل مقلق، حيث أكد التقرير أنّ نسبة كبيرة من السكان باتت تعيش تحت خط الفقر، في ظل انهيار الخدمات الأساسيّة مثل الصحّة والتّعليم، الأمر الذي يشكل انتهاكًا واضحًا للحقوق الأساسية للمواطنين. وفي سياق متّصل، أدرج لبنان على القائمة الرّمادية من قبل مجموعة العمل المالي (FATF في تشرين الأوّل 2024، ممّا زاد من عزلة لبنان الماليّة وصعّب الحصول على التمويل الدّولي، وأثّر بشكل مباشر على الوضع الاقتصادي والمعيشي".
وقال:"أما لناحية الرعاية الصحية ، فشهد القطاع الصحي انهيارا تدريجيا نتيجة الأزمة الاقتصادية الحادة والمستمرة بالاضافة الى إستضافة 1.5 مليون لاجئ سوري وصولًا إلى الأعمال العدائيّة في الجّنوب التي استهدفت العاملين الصحيين والمرافق الصحيّة وسيارات الإسعاف ما يشكل انتهاكًا واضحًا للمادّة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة.كما تشمل التّحديات الأخرى التي يواجهها النّظام الصحي نقصًا حادًا في الكوادر الطبيّة، بما في ذلك الأطباء والممرضين، إضافة إلى نقص في الأدوية والمعدات الطبيّة والإمدادات الصحيّة الأساسيّة. أما في مجال الحقوق المدنية والسياسية، فقد سجل التقرير استمرار تعرض الصحفيين والناشطين للتهديدات والمضايقات والملاحقات القضائية غير القانونية لا سيما للصحافيين الذي يحدد القانون اختصاص النظر بالقضايا المتعلقة بهم أمام محكمة المطبوعات وكذلك أن تأجيل الانتخابات المحلية(عام 2024) لثالث مرة على التوالي يشكل انتهاكا ضمنيا للحقوق المدنية والسياسية ".
تابع:"كما أشار التقرير إلى التحديات التي يواجهها القضاء اللبناني في ضمان الاستقلالية والعدالة، وهو ما ينعكس على حق الأفراد في الوصول الى العدالة المكرس في كافة القوانين الدولية بما في ذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وهذه التحديات تمثلت باعتكاف المساعدين القضائيين من جهة مما أدى الى شلل في الدوائر القضائية بما فيها عمل المحاكم ودوائر التحقيق. و من جهة اخرى فقد تبيّن أن استقلالية القضاء اللبناني لا تزال مهددة بالتدخلات السياسية والضغوط من مراكز النفوذ، ما يعرقل سير العدالة ويقوض ثقة المواطن بالعدالة كضمانة لحماية حقوقه. كما أن ضعف آليات المساءلة والمحاسبة أدى إلى غياب الردع عن مرتكبي الانتهاكات، سواء أكانوا أفرادًا في الدولة أو فاعلين غير رسميين. كذلك، سلّط التقرير الضوء على النقص المزمن في تطبيق القوانين المتعلقة بحقوق الإنسان، حتى تلك التي أقرها البرلمان. فغالبًا ما تبقى هذه القوانين دون مراسيم تطبيقية، أو يتم تعطيلها بفعل البيروقراطية أو النزاعات السياسية، ما يشل فعليًا قدرات الدولة على احترام التزاماتها القانونية المحلية والدولية.وقد أولى التقرير اهتمامًا خاصًا للإطار القانوني والتشريعي المنظم لهذه الحقوق، فخلص إلى أن لبنان يمتلك منظومة قانونية غنية من حيث النصوص، إلا أن هذه النصوص كثيرًا ما تبقى معطّلة أو غير مطبّقة، الأمر الذي يشكل فجوة خطيرة بين القانون والممارسة. فلبنان مصادق على عدد كبير من الاتفاقيات الدولية الأساسية لحقوق الإنسان، ومنها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية مناهضة التعذيب، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة. ومع ذلك، لاحظ التقرير أن العديد من التوصيات الصادرة عن الآليات الأممية لحقوق الإنسان لم تُنفذ بعد، أو تم تجاهلها، خاصة تلك المتعلقة بإصلاح القضاء، ومناهضة التعذيب، وضمان حرية الرأي والتعبير.(فمثلا قانون مكافحة التعذيب رقم 65/2017، رغم صدوره، لم يُفعّل بالشكل المطلوب، بسبب غياب المراسيم التطبيقية وضعف الإرادة السياسية. وما زالت قضايا التعذيب والإفلات من العقاب مستمرة دون آلية فاعلة تضمن الإنصاف للضحايا.)".
اضاف:"من النقاط التي توقف عندها التقرير بالتفصيل، أوضاع السجون اللبنانية ومراكز الاحتجاز، والتي تعكس بدقة مدى هشاشة البنية الحقوقية والإنسانية في البلاد. وقد أعدت لجنة الوقاية من التعذيب التابعة للهيئة الوطنية لحقوق الإنسان تقارير ميدانية مستقلة، أبرزت صورة قاتمة للغاية عن الواقع داخل مراكز الاحتجاز حيث تم توثيق مشكلات خطيرة، على رأسها: الاكتظاظ الشديد في السجون، حيث يتجاوز عدد المحتجزين القدرة الاستيعابية للمراكز بأضعاف. تدهور الوضع الصحي والنفسي للمحتجزين، خاصة في ظل نقص الغذاء والدواء وخدمات الرعاية. استمرار التوقيف الاحتياطي دون محاكمة لفترات طويلة، بما يخالف المعايير الدولية والمحلية للعدالة. غياب التهوية، وانعدام الخصوصية، وسوء المعاملة من قبل بعض العناصر الأمنية".
وقال:"أشار التقرير إلى أن بعض مراكز التوقيف تقع في ظروف غير ملائمة كليًا، من حيث البنية التحتية أو إشراف الجهات القضائية. ومن أبرز ما ركز عليه التقرير في عام 2024 هو واقع الفئات الأكثر هشاشة وتهميشًا في لبنان، وهي الفئات التي غالبًا ما تُهمَل في السياسات العامة وتُترك عرضة للانتهاكات والتمييز وسوء المعاملة، في غياب منظومة حماية فعالة. النساء في لبنان ما زلن يعانين من فجوة واضحة في الحقوق والحماية القانونية. فرغم الجهود التشريعية الجزئية، مثل تعديل قانون العنف الأسري، لا تزال الحماية من العنف القائم على النوع الاجتماعي محدودة، وتفتقر لآليات تنفيذ جدية. النساء ما زلن محرومات من حقوق أساسية مثل منح الجنسية لأطفالهن، كما يتعرضن لأشكال متعددة من التمييز في العمل والميراث والأحوال الشخصية، خاصة في ظل تعدد المرجعيات الدينية والقانونية.( في التقرير يوجد أرقام دقيقة حول النساء اللواتي قتلن أو تضرّن من الحرب) أما الأطفال، فالوضع أكثر خطورة. فقد وثق التقرير حالات متعددة من عمالة الأطفال في ظروف خطرة، خصوصًا في المناطق المهمشة والمخيمات. كما أدى انهيار القطاع التعليمي والظروف الاقتصادية إلى تسرب واسع من المدارس، وارتفاع نالى الأطفال المعرضين للاستغلال أو الإهمال. كما أشار التقرير إلى غياب الحماية الكافية للأطفال داخل المؤسسات الرعائية، وضعف الرقابة عليها. وقد أعلنت منظّمة اليونيسيف أنّ العام 2024 كان أحد أسوأ الأعوام بالنّسبة للأطفال في لبنان، و اعتبرت الحرب في لبنان كارثة إنسانيّة قلبت حياة الأطفال رأسًا على عقب، حيث تسبّبت في إصابات بدنيّة خطيرة وندوب عاطفيّة عميقة. وفقاً لوزارة الصّحة اللّبنانية، فقد قُتل 316 طفلاً منذ تشرين الأوّل 2023، وأصيب ما لا يقل عن 1,456 طفلاً بجراح حتّى تاريخ وقف إطلاق النّار في 27 تشرين الثّاني 2024. واشارت اليونيسيف في بيانها أنّ الأطفال الذين نجوا من القصف عانوا من إجهاد نفسي حاد بسبب العنف والفوضى المحيطة بهم، ممّا يعرضهم لآثار نفسية ولعل من أكثر الفئات هشاشة في لبنان اليوم هم اللاجئون والنازحون قسرًا، وعلى رأسهم النازحون السوريون الذين يعانون من أوضاع معيشية قاسية، ويواجهون خطابًا سياسيًا متصاعدًا ينزع عنهم الإنسانية، ويعرضهم للوصم الجماعي والممارسات التقييدية. التقرير وثّق ظروف سكن غير إنسانية في العديد من المخيمات، إلى جانب صعوبات في الوصول إلى الرعاية الصحية والتعليم والعمل، فضلاً عن مخاطر الإعادة القسرية. بالاضافة الى أزمة اللاجئين شهد لبنان خلال العام 2024 أزمة النازحين داخليا" حيث أدت الحرب الإسرائيلية على لبنان الى تهجير أعداد كبيرة من اللبنانيين ما ادى إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية بسبب انعدام القدرة الاستيعابية لمراكز الإيواء . العمال الأجانب والمهاجرون بدورهم يعانون انتهاكات منهجية في ظل نظام الكفالة، بما في ذلك مصادرة جوازات السفر، وتأخير أو عدم دفع الأجور، وسوء المعاملة داخل المنازل، وغياب المساءلة عن الانتهاكات. أما أفراد مجتمع الميم فقد استمر التضييق عليهم حيث تظل الملاحقة القانونية بموجب المادة 534 من قانون العقوبات اللبناني أحد أبرز القضايا التي يعانيها الأفراد المتحولون و المثليون" .
اضاف:"في سياق عملها الوطني والدستوري، ووفق ما تمليه عليها التزاماتها القانونية بموجب القانون رقم 62/2016، قامت الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان خلال عام 2023–2024 بجملة من الأنشطة التي شكلت محورًا أساسيًا في تعزيز رصد أوضاع حقوق الإنسان. ففي ظل العدوان الإسرائيلي الموسّع على لبنان ، قامت الهيئة برصد وتوثيق مجموعة من الانتهاكات الخطيرة والجسيمة التي ارتكبها جنود وضباط جيش الاحتلال الإسرائيلي في عدة قرى حدودية في جنوب لبنانوالتي طالت أيضا الفرق الإسعافيّة والإغاثيّة في لبنان. وقد قامت الهيئة خلال العام 2024 بعدّة أنشطة ميدانيّة لتوثيق أوضاع النّازحين في مختلف المناطق اللّبنانيّة. وتضمّنت هذه الأنشطة زيارات ميدانيّة للمراكز التي تستضيف النّازحين في مناطق مختلفة من لبنان، حيث تابعت الهيئة بشكل دقيق أوضاعهم الإنسانيّة، ووثّقت انتهاكات حقوق الإنسان التي قد يتعرّض لها النّازحون. فقد نفذت الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب، زيارات ميدانية مكثفة إلى مختلف السجون ومراكز التوقيف، هدفت إلى رصد ظروف الاحتجاز وتوثيق الانتهاكات المحتملة، بما يتماشى مع المعايير الدولية الخاصة بمنع التعذيب وسوء المعاملة.كما أطلقت الهيئة مبادرة لتخفيف الاكتظاظ داخل السجون حيث قامت بتكليف مجموعة من المحامين لمراجعة ملفات الموقوفين و تقديم طلبات إخلاء سبيل من يستحقون ذلك وقد حقق هذا المشروع انجاز هام في تسهيل الافراج عن المحتجزين . وقد أطلقت الهيئة المتضمّنة لجنة الوقاية من التّعذيب في آب 2024 تقريرين عن أوضاع السّجون في لبنان، تناول الأوّل منهما "رصد انتهاكات حقوق الإنسان في أماكن الاحتجاز"، وتضمّن نتائج 228 زيارة إلى 182 مركز احتجاز تابع للمديريّة العامّة لقوى الأمن الدّاخلي والجّيش اللّبناني. أمّا الثاني فكان حول "سجني طرابلس وزحلة" مع تقييمات هندسية وطبية وقانونية. وقد كشف التّقرير عن تدهور أوضاع الاحتجاز بسبب الاكتظاظ، وسوء الطعام، وانقطاع المياه والكهرباء، بالإضافة إلى انتهاكات للخصوصيّة والنظافة. وأوصى بتسريع الإجراءات القضائيّة، وتحسين ظروف السّجون، وتفعيل الآليات الوقائيّة ضد التّعذيب، داعياً الحكومة إلى التّعاون الكامل مع الهيئة لضمان تطبيق المعايير الدوليّة. بالإضافة إلى ذلك، أطلقت الهيئة المتضمّنة لجنة الوقاية من التّعذيب تقريرها السّنوي لعام 2023 في أيّار 2024 حيث تناول التّقرير حالة حقوق الإنسان في لبنان خلال العام 2023، واستعرض التّحديات التّي يواجهها المواطنون بسبب الأزمة الاقتصاديّة المستمرة، بالإضافة إلى الانتهاكات الجسيمة للحقوق المدنيّة والسياسيّة، خاصّة في السّجون وأثناء الحروب".
تابع:"إلى جانب ذلك، وسّعت الهيئة حضورها على الساحة الدولية، من خلال المشاركة في اجتماعات وتحالفات مع الشبكات الإقليمية والأممية لحقوق الإنسان، وتقديم تقارير موازية إلى هيئات الأمم المتحدة ضمن آلية الاستعراض الدوري الشامل، بما يعزز التزام لبنان بتعهداته الدولية في هذا المجال. رغم الصعوبات الإدارية والمالية، أظهرت الهيئة التزامًا ثابتًا في ممارسة ولايتها الوقائية والرقابية، مؤكدة على أهمية دعم استقلاليتها وتوفير الموارد اللازمة لاستكمال مهمتها في حماية حقوق الإنسان والوقاية من التعذيب. أما في ما يتعلق بالاستنتاجات العامة التي خرج بها التقرير، فقد رسمت الهيئة صورة واقعية، وإن كانت قاتمة ومقلقة، عن وضع حقوق الإنسان في لبنان خلال العام المنصرم. أمام هذا المشهد، شددت الهيئة في توصياتها على ضرورة اتخاذ إجراءات فورية وجذرية من أجل:
• تعزيز استقلال القضاء اللبناني من خلال قوانين واضحة وآليات رقابية مستقلة.
• ضمان تطبيق القوانين دون تمييز، وتفعيل مبدأ المحاسبة لكل من يخرق حقوق الإنسان أياً كانت صفته.
• تفعيل دور الأجهزة الرقابية والمؤسسات الوطنية، ومن ضمنها الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان، لكي تمارس دورها الكامل في الرصد والمساءلة و تمكين لجنة الوقاية من التعذيب من أداء مهامها الرقابية بحرية واستقلال، بما في ذلك الزيارات المفاجئة.
• اعتماد خطة وطنية شاملة لإصلاح السجون، تشمل بناء مراكز جديدة، وتأهيل القائمة.
• تعزيز الرقابة القضائية على أماكن التوقيف، وضمان سرعة البت في ملفات التوقيف الاحتياطي.
وغيرها من التوصيات المتعلقة بتعزيز الحق بالتعليم والرعاية الصحية وحماية المستوى المعيشي و حقوق الاقليات المهمشة و تعزيز حماية حرية التعبير والالتزام بالمعايير الدولية".
وقال:"هذا الوضع يتطلب منا جميعًا تحمل المسؤولية والعمل المشترك بين الجهات الرسمية، ومؤسسات المجتمع المدني، والدعم الدولي، لتعزيز حماية حقوق الإنسان وإرساء مبادئ العدالة والمساواة. إن الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان تدعو الحكومة اللبنانية إلى اتخاذ خطوات جادة نحو تنفيذ التزاماتها الدولية، وتعزيز استقلالية القضاء، ووضع آليات فعالة للمساءلة والمحاسبة. كما تدعو منظمات المجتمع المدني إلى تكثيف جهودها في توثيق الانتهاكات وتقديم الدعم للضحايا، وندعو المجتمع الدولي لتقديم الدعم الفني والمالي اللازم للبنان في هذا المجال".
ختم:" نؤكد أن هذا التقرير ليس مجرد وثيقة إحصائية، بل دعوة مفتوحة للعمل والتزام حماية حقوق الإنسان، وبناء وطن يعم فيه السلام والكرامة والعدل".