رسائل عسكرية اسرائيلية متعددة والهدف امتلاك الشرق الاوسط والخليج

رسائل عسكرية اسرائيلية متعددة والهدف امتلاك الشرق الاوسط والخليج
عندما احتل ارييل شارون بيروت اجتمع بنخبة من السياسيين اللبنانيين حيث تكلَم احدهم ونصحه بأن يلعب لبنان دور الوسيط بين اسرائيل والعالم العربي فكان جواب شارون "مهمَتك انت ان لا تعطي النصح وانما ان تنفّذ الاوامر".
تجربة ارييل شارون وهو من صقور اسرائيل تتكرر مع بنيامين نتنياهو الذي لا يقبل النصيحة في داخل اسرائيل فكيف مع الوسطاء العرب والاجانب وبالتالي فان استهداف "حماس" في قطر عبر الطيران الحربي الاسرائيلي هو رسالة ليس لقطر وحدها وانما لدول الخليج مجتمعة بما فيها المملكة العربية السعودية التي تحاول مع فرنسا توسيع رقعة الاعتراف بالدولة الفلسطينية وصولاً لـ "حلّ الدولتين" . حتى ان هذه الرسالة الاسرائيلية فيها شيء من "الاعتراض غير المباشر" على محاولات الرئيس الاميركي دونالد ترامب لوقف النار في غزة. كما انها رسالة من اليمين الديني اليهودي الذي يمسك بالحكومة الاسرائيلية الى الداخل الاسرائيلي والمعارضة واهالي الرهائن بان لا حل بالتفاوض وان التوسَع الجغرافي باتجاه العمق العربي يحقق الهيمنة الاسرائيلية الكاملة على دول المنطقة بما فيها الخليج هو السياسة الاسرائيلية "التوراتية" التوجّه. وهذه السياسة تقضي بتهجير اهالي غزة وضمَ الضفة الغربية وشلّ السلطة الفلسطينية ووضع حدود للنفوذ التركي في سوريا وتقسيمها الى ولايات اربعة من ضمن صيغة فدرالية مفكّكة مع استبعاد كامل للحلول الدبلوماسية ولو اقتضى الامر "التضحية" بكل الرهائن الاسرائيليين. وهذه ليست سياسة نتنياهو وحده ومعه بن غفير وسيموتريش. انما سياسة الغالبية الساحقة من اليهود الشرقيين (السفرديم) ومعهم المستوطنين الذين يريدون وضع حد لسياسات العلمانيين من اليهود الغربيين (الاشكيناز).
وبذلك يريد هؤلاء اعطاء طابع ومضمون توراتي كامل للحركة الصهيونية يقوم على تأسيس "اسرائيل الكبرى" وتغيير خريطة الشرق الاوسط.
ولعلّ هذه المسألة انتبه اليها رئيس الوزراء القطري ووزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني بكلامه عن "دولة اسرائيل المارقة" وممارستها "ارهاب الدولة" وسعيها الى اعادة تشكيل الشرق الاوسط ومعه الخليج.
والسؤال ماذا يعني هذا الامر؟
واضح ان النظام العالمي الذي هو في طور التكوين يتّجه الى تعددية قطبية جديدة اطرافها الاساسية الولايات المتحدة الاميركية وروسيا والصين وبدرجة اقلّ الهند مع تراجع الموقع الاوروبي عموماً.
أما في الشرق الاوسط فان اسرائيل تسعى الى ازاحة ادوار القوى الاقليمية الاساسية الممثلة بتركيا وايران ومصر مع تحييد لدور الشريك الاميركي لها. وهذا ما يفسّر توسيعها للحروب حتى باتجاه دول الخليج العربي حليفة الولايات المتحدة الاميركية والملتزمة بالاتفاقات الابراهيمية التي ترمي الى تطبيع العلاقات مع اسرائيل واقامة شراكات اقتصادية واسعة يسبقها وقف للنار في غزة وايجاد حلول دبلوماسية هادئة.
وتفسير توسيع الحروب الاسرائيلية باتجاهات متعددة يرمي الى تحجيم النفوذ الايراني والتركي اساساً في لبنان وسوريا والى الحؤول دون انجاز تفاهمات سعودية-ايرانية والى اعتبار ان اللاعب الاساسي في المنطقة هو اسرائيل وانها صاحبة القرار النهائي هي اولاً وواشنطن ثانياً.ومن هنا تسعى الحكومة الاسرائيلية الى حصر النفوذ الاميركي بالدائرة اللبنانية حتى ولو أدّى ذلك الى تفاوض بين واشنطن وطهران على أن يستتبع ذلك سحب سلاح حزب الله من المعادلة اللبنانية مصحوباً بانتشار اميركي على الساحل اللبناني وانشاء منطقة اقتصادية على الحدود الجنوبية باشراف اميركي وصولاً الى التطبيع.
معنى هذا الامر اننا امام مشهد جديد في الشرق الاوسط مصحوباً بتوتّرات واسعة واغتيالات وانفجارات وحالات دمويّة تسبق حالة الهدوء الغامضة بنتائجها.
عبد الهادي محفوظ