معركة اللبنانيين مع السرطان..

معركة اللبنانيين مع السرطان..

في بلد أنهكته الأزمات، جاء مقال مجلة “ذا لانسيت” ليضع لبنان في خانة الخطر الأكبر عالميًا: زيادة متوقعة بنسبة 80% في الوفيات الناجمة عن السرطان بحلول عام 2050. قد تكون هذه الأرقام افتراضية، كما أوضح وزير الصحة الدكتور ركان ناصر الدين، لكنها بلا شك مؤشّر صادم يفرض طرح السؤال: إلى أين نحن ذاهبون صحياً؟

الوزير سارع إلى التوضيح أنّ لبنان لا يمتلك بيانات دقيقة وحديثة عن الوفيات المرتبطة بالسرطان، وأنّ ما نشرته “ذا لانسيت” يستند إلى نماذج إحصائية قد لا تعكس الواقع المحلي. لكن، وبالرغم من ذلك، لم ينفِ الوزير خطورة الوضع. بل على العكس، اعتبر ما ورد ناقوس خطر يدقّ أبواب الدولة والمجتمع معًا.

البيان الوزاري لم يكتفِ بنقد الدراسة، بل أضاء على جملة من الحقائق التي يعرفها اللبنانيون جيدًا:

معدلات التدخين المرتفعة، وسط غياب كلي لأي رقابة أو قوانين صارمة تحدّ من هذه الظاهرة.

نسب التلوث المتفاقمة في الهواء والمياه والغذاء، نتيجة غياب سياسات بيئية جدية.

أنماط الحياة غير الصحية التي تتغذى من أزمة اجتماعية واقتصادية جعلت الغذاء السليم رفاهية لا يقدر عليها الجميع.

هذه العوامل ليست افتراضات، بل هي واقع يعيشه كل لبناني يوميًا، وتحوّل البلد إلى بيئة حاضنة للأمراض المزمنة والسرطان في المقدمة.

خطة وطنية… على الورق؟

يؤكد الوزير أنّ وزارة الصحة وضعت خطة وطنية لمكافحة السرطان، تهدف إلى معالجة هذه الأسباب الجوهرية. لكنّ الخطة – كغيرها من البرامج الإصلاحية في لبنان – تبقى رهينة التعاون السياسي والتمويل والدعم المؤسسي. والسؤال الكبير: هل هناك إرادة حقيقية لوضع هذه الخطة موضع التنفيذ، أم ستبقى حبرًا على ورق فيما يواصل السرطان تمدده في صمت؟

الأخطر في كل ما ورد، أن النقاش حول السرطان في لبنان لم يعد نقاشًا طبيًا بحتًا، بل تحوّل إلى قضية سياسية واجتماعية. نحن أمام مرض يتجاوز الإحصاءات إلى واقع معاش: عائلات تنهكها كلفة العلاج، مرضى يتركون المستشفيات لأنهم غير قادرين على دفع الفواتير، وأطباء يهاجرون بحثًا عن بيئة أفضل للعمل.

الخلاصة: نافذة أخيرة قبل الكارثة

قد تكون توقعات “ذا لانسيت” مبالغًا فيها، لكنّ الواقع لا يحتاج إلى أرقام عالمية ليثبت أنّ لبنان يسير في مسار صحي خطر. السرطان يطرق أبواب كل بيت لبناني، والوقت يمرّ بسرعة. المطلوب ليس بيانات إضافية، بل قرارات جريئة تبدأ من الرقابة على التدخين، مرورًا بالحد من التلوث، وصولًا إلى خطط علاجية ووقائية متكاملة.

اللبنانيون لا يحتاجون إلى دراسة جديدة كي يعرفوا أنّهم يعيشون في بيئة قاتلة. ما يحتاجونه فعلًا هو دولة تُدرك أنّ الصحة لم تعد ترفًا، بل معركة وجود.