أوتار الغد في موطن النغم: أمسية لأوركسترا الشباب في مكتبة بعقلين

في ليلة امتزج فيها أصالة النغم الشرقي بعبق التاريخ وروح الشباب، شهد مسرح المكتبة الوطنية في بعقلين أمسية موسيقية استثنائية بعنوان “أوتار الغد في موطن النغم”. جاءت هذه الأمسية بدعوة من رئيسة المعهد الوطني العالي للموسيقى – الكونسرفتوار، المؤلفة الموسيقية الدكتورة هبة القواس، وبالتعاون مع مكتبة بعقلين الوطنية، لتؤكد من جديد على دور الفن والثقافة في بناء جسور الأمل والتراث.
أحيت الأمسية أوركسترا الشباب للموسيقى الشرق-عربية و كورال القسم الشرقي في الكونسرفتوار، بقيادة المايسترو المبدع فادي يعقوب، صاحب المسار الموسيقي الثري والبصمة الخاصة في القيادة وفي العطاء الموسيقي الاحترافي الذي تميز به، والذي شكّل هويته المختلفة قيادةً وأداءً. كما تألق في الأمسية صوتان منفردان هما الفنانة كاترين غالي والفنان شربل سعادة، اللذان أضافا بجمالية أدائهما لمسة خاصة على البرنامج الفني الغني.
افتتح الحفل مدير المكتبة الوطنية في بعقلين غازي صعب شاكراً أعضاء الأوركسترا والمايسترو ورئيسة المعهد الدكتورة القواس على تخصيص الأمسية في المكتبة الوطنية وعلى جهودها الكبيرة في إقامة الحفل، متمنياً أن تكون بداية لحفلات مقبلة. مضيفاً: “هذا الحدث يعكس الاهتمام بالفنون والموسيقى في لبنان والجبل ويساهم في تعزيز المواهب المحلية وخصوصاً المواهب الشابة. أمسية اليوم ستكون مليئة بالمتعة في هذا الحفل الموسيقي الرائع”.
وكانت كلمة لرئيسة الكونسرفتوار عبرت فيها عن سرورها لوجود الكونسرفتوار في الجبل وفي المكتبة الوطنية في بعقلين. وقالت: “تحية للصديق غازي صعب لأنه يحمل مهمة وطنية بقيادته المكتبة الوطنية في بعقلين. إحساسي مختلف لأنني في بعقلين عاصمة جبل لبنان الذي هو لبنان الحقيقي. في هذا المكان تاريخ كبير، لذلك هذه مهمة ثانية أساسية. من فترة كنا في بتخنيه في الجبل أيضاً، وهذا هو دورنا أن نصل لأبعد نقطة في لبنان. جلنا العديد من المناطق منها رحبة في عكار، وطرابلس وصيدا والديمان ومناطق أخرى. ومن هنا أعلن عن مفاجأة وهي أن بعقلين ستكون موقعاً أساسياً ستتكرر زيارتنا لها مستقبلاً، وذلك بسبب دورها التاريخي والحالي الذي يخولها أن تكون بيتاً ثانياً للكونسرفتوار ومنها سننطلق إلى الجبل بأكمله. وواجبنا أن نأتي إليكم لأنكم معنا وخاصة بوجود 18 عازفاً من الجبل في هذه الأوركسترا. أهنئ العازفين فرداً فرداً، وهم المستقبل الذي نسمع موسيقاه اليوم من خلالهم. هذه الأوركسترا شارك قسم كبير منها في موسكو، عندما افتتحنا أحد أهم المهرجانات هناك، وكانوا الصورة الحقيقية للبنان الثقافة والحضارة. هؤلاء الشباب هم السفراء الحقيقيون للبنان. ودور الأوركسترا والعزف الجماعي هو أساسي لكي يصبحوا موسيقيين. وأضافت: “الأوركسترا أصبحت جزءاً من المنهج الأساسي، أي ابتداءً من السنة التحضيرية حتى الماجستير، سنخلق أوركسترات وأنسامبلات لكل لبنان، وفي كل منطقة يوجد فيها كونسرفتوار، وهذا مشروع كبير وطويل الأمد يجعلنا نصدّر موسيقيين للعالم وفي الوقت نفسه نخلق فرصة لكي يبقوا في لبنان. لهذا السبب أطلقت نداء إلى كل الموسيقيين في العالم من أصل لبناني أن يعودوا إلى لبنان لإعادة الوصل بين لبنان المقيم ولبنان المغترب من خلال الموسيقى.

غصّ المسرح بالجمهور المتعطش للفن الأصيل، الذي تفاعل بحرارة مع كل مقطوعة ولحن. وقدّم العازفون الشباب، الذين يشكلون “أوتار الغد” الواعدة، وكورال القسم الشرقي، أداءً رفيع المستوى جسّد كثافة التمارين ودقة الانضباط والمهارة العزفية العالية. كان الانسجام والتناغم بين أعضاء الأوركسترا والقائد لافتاً، ما أضفى سحراً خاصاً على الأمسية.
تنوع البرنامج الموسيقي ببراعة ليضم باقة من التحف الفنية الشرقية التي رسخها كبار الموسيقيين في الوجدان اللبناني، مستعرضاً إرثاً غنياً من الأصالة. شمل الأداء أغنيات ومقطوعات وطنية ووجدانية أعادت الحضور إلى زمن الفن الجميل، مازجة بين الحنين والأمل في المستقبل. ولا سيما مع الأداء المحترف والجاد للفنانين غالي وسعادة اللذين أمتعا الجمهور بباقة من أجمل الأغنيات اللبنانية التي تنوعت بين وديع الصافي وزكي ناصيف والأخوين رحباني ووليد غلمية وملحم بركات وغيرهم من كبار الملحنين.
ويأتي هذا النشاط في سياق سعي الكونسرفتوار الدائم لتفعيل المشهد الموسيقي في مختلف المناطق اللبنانية، وتأكيداً على أهمية تمكين جيل الشباب واحتضان مواهبه. وقد أشادت الدكتورة هبة القواس في مناسبات سابقة بأهمية دور الشباب في أي نهضة مؤسساتية أو وطنية، معتبرة أن هذه الوجوه الشابة تمثل الاحتفال بلبنان الجديد.
لقد كانت “أوتار الغد في موطن النغم” أكثر من مجرد حفلة موسيقية، لقد كانت رسالة أمل من قلب بعقلين، تؤكد أن الفن هو القوة الناعمة القادرة على مقاومة اليأس وبناء المستقبل على أساس من الأصالة والإبداع. ومع اختتام الأمسية بتصفيق حار وطويل، غادر الجمهور حاملاً في ذاكرته نغمات ساحرة ووعداً بغد موسيقي مشرق يصنعه شباب لبنان. ______________________. متابعة. ==== عايدة حسيني. .
