البابا يختم زيارته من واجهة بيروت البحريّة

مع ساعات الفجر الأولى، بدأت واجهة بيروت البحريّة تتحوّل تدريجيًا إلى ساحة لقاء روحي وإنساني قلّ نظيره. نحو 150 ألف شخص احتشدوا منذ الليل، بعضهم وصل عند الثانية فجرًا من مختلف المناطق اللبنانية، وحتى من دول الجوار، للمشاركة في القدّاس الذي ترأسه البابا لاوون الرابع عشر في ختام زيارته التاريخيّة للبنان، زيارة امتدّت ثلاثة أيام ورُفعت خلالها راية واحدة: الأمل والسلام.
اصطفّ المصلّون على امتداد المساحة الشاسعة للواجهة البحريّة، بينما تكفل عناصر الكشاف بإرشاد الحشود التي توافدت تباعًا، في ظلّ إجراءات أمنيّة مشدّدة للجيش اللبناني، شملت إقفال الطرقات ونقل المشاركين بالباصات لتسهيل الدخول إلى الموقع.
وعند الخامسة صباحًا فُتحت الأبواب أمام آلاف المؤمنين وارتفعت التراتيل وتمازجت مع أصوات الأطفال وتلويح الأعلام اللبنانية والفاتيكانية، لتعلن بداية نهار غير عادي على الإطلاق.
في عظته، شدّد البابا لاوون الرابع عشر على أن الطريق الوحيد لنهوض لبنان يكمن في نزع السلاح من القلوب وإسقاط دروع الانغلاق والتمييز الطائفي والسياسي. ودعا اللبنانيين إلى فتح انتماءاتهم الدينية على اللقاء المتبادل وإحياء "حلم لبنان الموحّد، حيث ينتصر السلام والعدل، ويعترف الجميع ببعضهم إخوة وأخوات".
كانت كلماته صدى لما يعيشه لبنان المنهك، ونافذة ضوء وسط العتمة السياسية.
صمت أبكى الجميع
قبل القدّاس، شكّلت محطة المرفأ المشهد الأكثر تأثيرًا في الزيارة. وقف البابا صامتًا لدقائق في موقع جريمة 4 آب، والدموع تلمع في عيون أهالي الضحايا الذين التقوه وتلقوا منه بركة خاصة. لم يكن مشهدًا بروتوكوليًا، بل لحظة إنسانية خالصة احتضنت جراح مدينة ما زالت تبحث عن الحقيقة والعدالة.
مع انتهاء القدّاس، عمّت موجة تصفيق وهتافات وفرح شعبية عارمة، بينما شق البابا طريقه بالـ "بابا موبيلي" بين عشرات آلاف المؤمنين. كبار وصغار، رهبان وراهبات، طلاب مدارس مارونية، عائلات من كل الطوائف، جاؤوا فقط ليقولوا كلمة واحدة: نريد السلام.
رنم الفنانان جوزف عطية وعبير نعمة أمام الحشود، فأضفيا لمسة وجدانية رافقت اللحظات الروحية.
السياسة في الخلف… والصلاة في الأمام
ورغم أن المشهد الروحي كان سيّد الموقف، إلّا أن الحضور السياسي لم يغب.
فقد دُعي جميع رؤساء الأحزاب، لا سيما المسيحية منها. حضر رئيس "المرده" سليمان فرنجية ورئيس "التيار الوطني" جبران باسيل ورئيس حزب "الكتائب" سامي الجميّل، فيما غاب رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع. لكن المميز كان اصطفافهم جميعًا جنبًا إلى جنب، بعيدًا من سجالات السياسة، احترامًا لقدسية المناسبة. كذلك، حضر أيضًا الرؤساء الثلاثة ونساؤهم.
ختام الزيارة… لبنان على موعد مع الرجاء
لم تكن زيارة البابا لاوون الرابع عشر مجرد محطة دينيّة عابرة. لقد تحوّلت إلى حدث شامل أعاد جمع اللبنانيين على اختلاف انتماءاتهم، ولامس بجوهره السياسي والوجداني والروحي نبض بلد يتوق إلى الاستقرار.