باسيل المهدَّد بالعزل وعزل نفسه… هل “يرتمي” عند جعجع؟

باسيل المهدَّد بالعزل وعزل نفسه… هل “يرتمي” عند جعجع؟

الكاتب: رضوان عقيل | المصدر: النهار

23 كانون الثاني 2023

تعود بعض الأدبيات السياسية والإعلامية في الآونة الأخيرة إلى الحديث عن العزل والحصار السياسيين. وانشغل الرأي العام بهذا الموضوع إبان الحرب الأهلية في منتصف السبعينيات من القرن الفائت إثر مواقف قياديين في “الحركة الوطنية” بالتوجه إلى عزل حزب الكتائب والقضاء على مدرسة بيار الجميّل الجد، لكن هذه النظرية لاقت معارضة من الإمام موسى الصدر. وما حصل كان العكس، حيث انتعشت “الجبهة اللبنانية” آنذاك وارتفعت أسهم الكتائب وانتشرت بيوت الحزب في مختلف البلدات المسيحية من قلب جبل لبنان إلى الأطراف.

يكثر اليوم الكلام عن عزل رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل بعد “مناوشاته” الأخيرة مع حليفه “حزب الله” وخلافاتهما حيال النظرة إلى استحقاق رئاسة الجمهورية وإلى جلسات الحكومة وغيرها من الملفات التي قد تؤذن إلى اقتراب الطرفين من حدود الطلاق وتطيير تفاهم مار مخايل، مع بروز رأيين في صفوف “التيار” حيث يستعجل الأول، ولا سيما من مجموعة الكوادر المتحمّسين بالدعوة إلى الإسراع في “دفن” التفاهم والتخلص منه على أساس أنه جلب لهم “الويلات” من العقوبات الأميركية على رئيسه إلى حشرهم داخل بيئاتهم المسيحية.

وفي المقابل، لا توافق كوادر عدة إلى نواب عونيين على مغادرة حضن التفاهم ويرون في الإمكان تجاوز الكثير من التباينات مع الحزب ومن دون التقليل من التباعد في رؤيتهما حيال انتخاب رئيس الجمهورية على الاسم المؤهّل الذي سيحلّ في قصر بعبدا مع تمسّك الحزب بترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية.

في الوقائع، يتبيّن أن باسيل يقدر على المواجهة، وهو من روّاد مدرسة الوصول إلى سياسة “حافة الهاوية”. صحيح أنه محاصر من أكثر من جهة نيابية وسياسية وحزبية وعربية ودولية ولا ينقصه بالطبع فتح جبهة مع “حزب الله”، لكنه في المقابل يقدّم نفسه في موقع المدافع الأول عن المنصب المسيحي الأول في البلد. وقدّم له مجلس المطارنة الموارنة خدمة في معرض إعلانه عدم ارتياحه لمقاربة انعقاد جلسات حكومة تصريف الأعمال.

ودرج باسيل على ممارسة سياسة الاشتباك في وجه خصومه التي ورثها من الرئيس السابق ميشال عون والتي سبق له أن افتعلها مع السنّة في عزّ حضور الرئيس سعد الحريري، ومع الزعيم الدرزي وليد جنبلاط وأكثر من نصف المسيحيين ونصف الشيعة. ولا حاجة إلى التذكير بعلاقاته المشحونة مع الرئيس نبيه بري والدكتور سمير جعجع.

وإذا فك باسيل ارتباط تفاهمه مع “حزب الله”، فسيخسر طائفة الثنائي بأكملها وإن لم تصل الأمور إلى هذه الحدود، إلا إذا وقع المحظور الكبير. لذلك لا يمكن عزل العونيين بهذه السهولة وإن لم يكونوا في حالة صعود في بيئاتهم المسيحية، لأن نتائج الانتخابات النيابية لم تكن على مستوى طموحاتهم في الصوت التفضيلي الذي خذلهم في الخارج وفي أكثر من دائرة في الداخل، وإن تمكّن من الحصول على كتلة وازنة.

ورغم كل هذه التحديات الجديدة التي تواجه العونيين، في إمكانهم الدخول في مواجهات تحت راية الشعارات والعناوين التي يرفعونها، الدستورية والمطلبية والقضائية والتدقيق الجنائي وتحقيق المحاسبة. وإذا سار العزل وتطبّق على الأرض في وجه باسيل فهو لن يستهدف طائفة في وقت يرتفع فيه صوت بكركي من أجل تحمّل مجلس النواب مسؤولياته وانتخاب رئيس بدل الاستمرار في كل هذه المساحة من التعطيل. لذلك أبدى مجلس المطارنة الموارنة ملاحظاته على سيرورة جلسات الحكومة التي ساندت وجهة نظر باسيل المعارضة لانعقادها على شكل الجلستين الأخيرتين، ولم يعد في مقدوره إيقافها حيث نجح الرئيس نجيب ميقاتي في تقديم حجج ضرورة التئام جلسات الحكومة.

ولم يعد تفاهم الطرفين محل نقاش عندهما. وتقول مرجعية نيابية وسياسية لها شأنها في الاستحقاق الرئاسي وهي تعارض سياسات العونيين لم تلمس أنهم سيغادرون شراع الحزب، لكنها تحذّر من أن يرمي باسيل بنفسه في “أحضان جعجع”، لأن توصّل الأخيرين إلى مرشح مشترك يصبح في صدارة الأسماء المرشحة، فكيف إذا حصل على قبول بكركي؟

في زحمة التطرق إلى عزل باسيل لنفسه، لا أحد ينتظر من الحزب خروج أمينه العام السيد حسن نصرالله على اللبنانيين والعالم والإعلان أنه في حلٍّ من تفاهمه مع “التيار”، وهو يعرف أن هذه “الهدية” التي سيتلقاها كثيرون بترحاب كبير من معراب إلى واشنطن. ومن هنا، فإن فك التحالف بين الفريقين لا يشكل “استراتيجية صحيحة” حتى إن استمرّا في خلافهما الرئاسي والحكومي ومن دون التقليل بالطبع من الحرب المفتوحة على مواقع التواصل الاجتماعي بين الطرفين، ولا سيما من طرف العونيين. ومن نقاط ضعف هذا الفريق أن تكتّله النيابي لا يظهر متماسكاً على شكل الإطار الحديدي الذي يتمثّل عند “القوات اللبنانية” التي تعمل إلى جانب جهات أخرى على الاستفادة من ارتدادات أي أزمة بين “التيار” والحزب.