تفاصيل الانفجار الضخم بجرود قوسايا: “الوديعة” السورية المؤذية

تفاصيل الانفجار الضخم بجرود قوسايا: “الوديعة” السورية المؤذية

تفاصيل الانفجار الضخم بجرود قوسايا: “الوديعة” السورية المؤذية

الكاتب: لوسي بارسخيان | المصدر: المدن

1 حزيران 2023


معلومتان أكيدتان حول ما جرى في جرود بلدة قوسايا الواقعة في شرق قضاء زحلة بعيد منتصف الثلاثاء الأربعاء.


أولاً، أن هناك دوي إنفجار كبير واحد قد سمع صداه فعلاً في مختلف أنحاء البقاع، تبيّن أنه حدث في موقع عسكري فلسطيني تابع للجبهة الشعبية- القيادة العامة في منطقة تعرف بالمعيصرة. وهو موقع نشأ خلال فترة الوجود السوري بلبنان منذ ثمانينيات القرن الماضي، بإمرة أحمد جبريل وورثته من بعده، ولا يزال يأتمر بأمر النظام السوري. وعلى رغم خروج الجيش السوري من لبنان منذ سنة 2005، بقي عناصر هذا الموقع كما ثلاثة مواقع أخرى تابعة للجبهة الشعبية في منطقة البقاع رابضين في معسكراتهم.


وثانياً، أن هناك عشرة أشخاص أدخلوا إثر الإنفجار إلى مستشفى “الناصرة” التابع للهلال الأحمر الفلسطيني في برالياس، حيث ذكرت معلومات “أنهم عولجوا من جروح وحروق طفيفة وغادروا المستشفى فوراً”.


وباستثناء هاتين المعلوماتين، فإن كل ما تم ويتم تداوله من معلومات حول تعرض الموقع لغارة إسرائيلية، هو على ذمة الجبهة الشعبية، التي أكدت “استشهاد” خمسة من عناصرها خلال الغارة، بمقابل نفي إسرائيل عبر وسائل إعلامها لذلك. في وقت لم تصدر السلطات اللبنانية الرسمية حتى ساعة إعداد هذا التقرير أي بيان يجزم وقوع مثل هذا الاعتداء على الأراضي اللبنانية أو ينفيه. علماً للجيش اللبناني حاجز عند مدخل هذا الموقع العسكري في العمق اللبناني، يقوم عناصره بالتدقيق بهويات قاصديه ، بالإضافة إلى التدقيق في هويات بعض أصحاب الأراضي من المزارعين أو رعاة الغنم، الذين سمحت التسويات بأن يصلوا إلى أراضيهم، ويستثمروا مساحات من تلك التي تبعد عن الموقع العسكري المسيج بالألغام.


حاجز الجيش والمواقع الثلاثة

وهذه النقطة العسكرية هي آخر موقع يسمح فيه لغير أصحاب بعض الأراضي أن يصلوا إليه، وهذا المنع يشمل أيضاً الصحافيين، الذين لم يسمح لهم ولا مرة الإطلاع على طبيعة الموقع. وفي كل مرة يقع حدث أمني فيه تكون المعلومات المستقاة حوله مستندة إلى مصادر الجبهة الشعبية نفسها. وهذا ما تكرر أيضاً إثر الانفجار الذي وقع فجر يوم الأربعاء. إذ منع الجيش اللبناني الصحافيين من التواجد حتى بمحيط حاجزه بذريعة حماية سلامتهم. في وقت حرص عناصر الحاجز اللبنانيين على عدم حصول تواصل بين الصحافيين وركاب سيارة من عناصر يحملون بطاقات تعريف فلسطينية، وكانوا ينتظرون فتح البوابة الحديدية التي تنقلهم إلى الطريق المؤدي لمواقع الجبهة الواقعة بين حدوديّ لبنان وسوريا.


علماً أن عبور هذه البوابة يبدو متاحاً في معظم الأوقات لعناصر الجبهة الشعبية وزوارها، الذين يترددون إليها أيضاً من ثلاثة مواقع عسكرية تابعة لها، تقع في عمق الأراضي اللبنانية، أولها موقع “لوسي” في السلطان يعقوب، والثاني موقع “عين البيضا” في كفرزبد، والثالث موقع وادي حشمش في دير الغزال. وجميعها مواقع تعزَّز دورها الإستراتيجي خلال الأحداث التي شهدتها سوريا، متسببة بقلق لدى المواطنين القاطنين بمحيطها، والذين يتوجسون من الدور الذي تلعبه في مساندة النظام السوري خصوصاً.


“اوتوستراد” الحرب السورية

وهذا ما يعيدنا إلى الأهمية الإستراتيجية لهذه المراكز العسكرية الفلسطينية الواقعة داخل الأراضي اللبنانية، ولا سيما موقع “المعيصرة” الذي يقع في لحف سلسلة جبال لبنان الشرقية، على أراض خاصة ومشاعات عامة، تطورت وظيفتها خلال الأحداث العسكرية التي شهدتها سوريا في بداية الثورة التي إندلعت فيها، حيث شُقت طريق يؤمن وصول إمدادات حزب الله العسكرية من جنتا إلى الأراضي السورية مرورا بالمنطقة التي تقع فيها المعسكرات الفلسطينية. هذا في وقت تؤكد مصادر مطلعة في البلدة أيضاً أن هذه الطريق جرى تعبيدها بشكل جيد في السنوات الماضية، لتتحول مع تزفيتها إلى “أوتوستراد” واسع يخضع حالياً أيضاً لسيطرة حزب الله.


هذه المعلومة يؤكدها كتابان موجهان من بلدية قوسايا منذ سنة 2020 إلى كل من محافظ البقاع ووزارة الداخلية، يطالبان بإستعادة الأملاك الخاصة والمشاعات العامة التي تحتلها هذه المواقع العسكرية، ويعبران عن المخاوف من الأمر الواقع الذي يفرضه استمرار وضع اليد عليهما من خلال منع الأهالي من الوصول إلى أرزاقهم. ويتحدثان عن قيام “جهة معينة” بشق طريق داخل الممتلكات العامة وتزفيتها، من دون أن يسمي الكتاب حزب الله مباشرة.


بالنسبة للأهالي، كل ما يعنيهم من الأمر استعادة حقوقهم بهذه الأراضي التي ظنوا أنهم سيتمتعون بحرية الانتقال إليها بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان. فيما هم يخشون من أن لا تنتهي مشكلتهم مع وضع اليد على هذه الأراضي، إلا بحل القضية الفلسطينية وتأمين حق العودة النهائي للفلسطينيين إلى أراضيهم المحتلة.


تهديد دائم

فمنذ تعرض عناصر لجنة التحقق الدولية لإطلاق النار من عناصر مركز حشمش خلال تنفيذها مهمتها بالتحقق من انسحاب الجيش السوري في أيار 2005، لا يلمس أهالي قوسايا ومالكي الأراضي التي تحتلها المواقع العسكرية الفلسطينية أي تجاوب حتى من قبل السلطات اللبنانية، أقله لمنع تكريس الأمر الواقع بمزيد من الحصار الذي تتعرض له أراضيهم الزراعية.


هذا بالإضافة إلى ما يتسبب به إستمرار وجود هذه المواقع العسكرية من تهديد دائم للمواطنين، الذين يقطنون بمحيط هذه المواقع على مسافات خط نار قريبة جداً.


فسواء أكان ما حصل في موقع المعيصرة انفجار نتج لأي سبب أو غارة إسرائيلية، فهو تسبب بحالة هلع كبيرة لدى الأهالي، خصوصا أن احتمال تنفيذ إسرائيل لغارات على الموقع تبقى واردة دائماً. وهذه الغارات تكررت مرات عدة في السنوات الماضية وكان آخرها في أيلول عام 2019 عندما شن الطيران الإسرائيلي ثلاث غارات متتالية على موقع المعيصرة على بعد ساعات قليلة من خطاب “ناريّ” أطلق خلاله الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، التهديدات والتحذيرات لإسرائيل. حينها بدا الأهالي أكثر ثقة بأن إسرائيل استهدفت مواقع الجبهة المقابلة لبلدتهم، أما بالنسبة لما جرى ليل أمس، فيقول الأهالي بأنه لم يكن واضحاً، ولكنه انفجار ضخم بالتأكيد.