الرهبانية المارونية المريمية احتفلت بالذكرى 329 لتأسيسها بقداس في سيدة اللويزة

الرهبانية المارونية المريمية احتفلت بالذكرى 329 لتأسيسها بقداس في سيدة اللويزة


احتفل أبناء الرهبانيّة المارونية المريميّة بالذكرى 329 لتأسيس الرهبانية، بصلاة المساء في دير سيدة اللويزة في ذوق مصبح، وجددوا تكريسهم للطوباوية مريم العذراء.

وألقى الأب العام الاباتي ادمون رزق عظة قال فيها: “ما أجملَ عينيّ الربّ، ونظرةُ الربِّ، وسهرُ الربِّ على هذه الرهبانيّة الغاليّة، الّتي اختارت لها العذراءَ السّاهرة، سيّدة اللويزة، شفيعةً ترافقُها، كما رافقَتْ ابنَها وجماعةَ الرسلِ الأوَّلين! ثلاثةُ قرونٍ وأكثر قد مرَّت، ورهبانيّتُنا لا تزالُ تنمو بالنعمةِ وتزدادُ بالقامةِ، وتعبرُ إلى المساحاتِ البعيدة حُبَّا بالرسالةِ وتلبيةً للدعوةِ الّتي قبِلَتْها مِن الله. تشقُّ العمرَ مكلّلةً بالرجاءِ في سبيلِ الهدفِ الواحد، وبالسعيِ الواحد، والألمِ الواحد، كما القيامةِ الواحدة، والفرحِ الواحد: كلُّنا معًا ننشُدُ نشيدَ التسبيحِ ونمجِّدُ الله، ونرفعُ القلبَ نحوَه، شاكرين لـِما أفاضَهُ علينا من نِعمٍ، وجادَ علينا من بركاتٍ… وعينُ المؤسِّسين من السماء ترى، وقلوبُهم تشكرُ وتُرنِّمُ معنا!”

أضاف: “هكذا تعودُ علينا هذه الذكرى، بالرغمِ من الظلمةِ الخارجيّة، وما يجولُ في لبنان، تعودُ لتُذكي فينا عبيرَ الفرحِ وتُذكِّرُنا بانطلاقةِ الدعوةِ، وبدايةِ المسيرةِ الرهبانيّةِ، وتُجدِّدُ فينا معنى القبولِ بتركِ العالمِ والتسليمِ الكُلّي إلى الله! اليوم، نقفُ على أرضٍ ارتوت إيمانًا وَولجت بحبٍّ عظيم، في مساحةٍ شهِدت لدعواتٍ ومساعي وتجارب وانتصارات، في بيتٍ بُني على صخرةِ الإيمانِ والتجرُّدِ من كلِّ شيءٍ من أجلِ المسيح، صخرتِنا وخلاصِنا، ملجئِنا فلا نتزعزع … سنينُ مرّت وعهودُ ولَّت وهذه الأرضُ أخصبت رهبانًا ونُسّاكًا قدّيسين! تعالوا نتأمّل اليوم، ما نحنُ عليهِ وما حفرناهُ على هذه الصخرة من أجل استمراريّةِ المسيرةِ الرهبانيّة. كلُّنا أتيناها فقراء وسنخرجُ منها أغنياء، ولن يبقى منّا إلاّ ما أعطتنا إيّاه: كنفُ عائلةٍ رأسُها المسيح وحاميتُها أمُّنا العذراءُ مريم!”

وتابع: “اليوم، نُعيد قراءةَ المسيرةِ الرهبانيّة منذ المؤسّسين الّذين تركوا العالمَ من أجلِ أن يحيَوا لله فقط، وتخلّوا عن كلِّ المقتنيات في سبيلِ الاغتناءِ بالله فقط، وسعوا وثابروا في مساعيهم من أجلِ مجدِ الله فقط، وثبتوا بالرغمِ من كلِّ التحديات والنزاعات والإخفاقات، لأنّ دعوتَهم الرهبانيّة كانت لها الأولويّةُ في حياتِهم، فلم يتغيّر هدفهم ولا ساوموا عليه أبدًا! فكانت أن تنموَ دعوتُهم منذ 329 سنة، وتثمرَ أجيالاً رُهبانيّة لا تزالُ تتكاثرُ حتّى اليوم.غيومٌ ومواسمُ توالت، وشمسُ البرِّ ينيرُ الطريقَ ويُدفءُ الوحدةَ، ويُنمي ما تغرسُ كلمتُهُ فينا لنحيا المشوراتِ الإنجيليّة، حتّى تذوبُ كلمتُهُ في نفوسِنا لنصبحَ فيها مصابيحَ نورٍ في العالم، نحيا معهُ ومع بعضِنا، بالرغم من التباين فيما بيننا، مغامرةً عظيمة: مغامرةَ العيشِ بالقربِ من الله والشهادةَ له من خلالِ كلِّ ما نعملُهُ”.

وقال: “لأنّنا مسؤولون في دعوتِنا، لا يمكننا أن نتجاهلَ ما أوصانا به مؤسِّسُ الرهبانيّةِ، المثلثُ الرحماتِ المطران عبدالله قراعلي، الّذي صلّى وبكى وجاهدَ كي تعبُرَ الرهبانيةُ السنينَ وتتخطّى العثراتِ وتنتصرَ عليها في سبيلِ الملكوت. على ضوءِ مصباحِهِ، يُـثمِرُ جهادُنا معًا في الحياةِ الرهبانيّة والمثابرةِ على عيشِ النذورِ والتمرُّسِ في الفضيلة، فلا نستسلمُ عندَ السقوطِ ولا نتخازلُ أمامَ العمل. اختلافٌ، إجتماعٌ، إتفاقٌ وإلفة ! هذا ما ناشدَ به مؤسّسُنا في تشجيعِنا على حفظِ القانونِ، والجهادِ في عيشِ الإتفاق والحبِّ الأخوي. فنحنُ جسدٌ واحدٌ وروحٌ واحدٌ، كما دُعينا في رجاءِ دعوتِنا الواحدة! ولا يمكننا أن نبتعدَ عن الرأيِ الواحدِ والهدفِ الواحد، لأنَّ صوتَ المسيحِ يدعونا وروحُ الربِّ يُرشدُنا وأمُّ الربِّ تسهرُ علينا، فلماذا نخافُ ونجزعُ؟ وأيُّ ضماناتٍ نريدُ لنُكملَ مسيرَتَنا بفرحٍ واتحادٍ ؟”

أضاف: “اليوم، نُـعيّدُ يومًا أوّل في خلقِ رهبانيّتِنا، يومًا أوّلَ في تحقيقِ حُلُمِ شُبّانٍ ثلاثة أتوا من البعيد، إلى لبنان، أرضِ الأرز الّذي يتشبّه به الصدّيقون. سمعوا الدعوةَ وجاؤوا، وكلُّهم رجاءٌ بِمشروعِ الله لحياتهم. تركوا أرضَهم وأهلَ بيتهم، مثلَ ابراهيم أبِ المؤمنين، وساروا بسلامٍ دون النظرِ إلى الوراء في اتِّباعِ صوتِ الربّ! اليومَ، نفتحُ آذانَنا من جديد ونُصغي إلى هذا الصوت الّذي لطالما يقودُنا في حياتِنا الرهبانيّة! نُسلِمُ ذواتِنا إلى الربّ، ونسألُ العذراءَ أمَّنا أن تقودَنا في خدمتِهِ، فنبقى أمينين على وصاياه، ثابتينَ في مبادئِنا وصادقين في رسالتِنا. ​إنَّ الرهبانيّة ليست حالةٌ بل عمل! والحياةُ الرهبانيّة ليست فرديّةٌ بل جماعيّة! والعملُ الرهبانيّ ليس مراكزٌ بل رسالة! ونحنُ نسعى ونجاهدُ كي تكونَ الرهبانيّةُ منارةً للأجيالِ القادمة، جاذبةً للدعوات، شاهدةً حقّة للملكوت”.

وختم: “أودُّ أن أشكرَكُم جميعًا، حاضرينَ وغائبين، أباءً وإخوةً، على كلِّ ما تقومون به من أجلِ خير الكنيسةِ والرهبانيّة. أسألكم الصلاةَ من أجلي ومن أجل مجلسِ الـمُدبِّرين الكرام، كي نتمكَّنَ معكم من تحقيقِ الخيرِ والحقّ والجمال في العيش الرهبانيّ، أيّ أن نحافظَ على صورةِ خالِقِنا ومثالهِ فينا. نطلبُ من الله أن يحفظَنا من الشرور بشفاعةِ أمِّنا مريم العذراء وشُفعاء الرهبانيّة وأن ينيرَ دربنا بمواهب روحِه القدّوس ويُفيضَ علينا نِعمَهُ”.

في الختام تقبل الرئيس العام محاطاً بالآباء المدبرين التهاني.