تكليف الرئيس نواف سلام الأقرب إلى نهج وفكر المقاومة ونضالاتها : المؤرخ و الكاتب السياسي د. حسن محمود قبيسي

تكليف الرئيس نواف سلام الأقرب إلى نهج وفكر المقاومة ونضالاتها : المؤرخ  و الكاتب السياسي د. حسن محمود   قبيسي

 

تكليف الرئيس نواف سلام الأقرب إلى نهج وفكر المقاومة ونضالاتها

 

المؤرخ و الكاتب السياسي د. حسن محمود  قبيسي

 

«إذا انكسر مكوّن ينكسر لبنان بأسره، وما حصل عملية ديمقراطية » .

الرئيس العماد جوزيف عون

 

يوم انتخاب العماد جوزاف عون وتكليف القاضي سلام ،سمعنا من خصوم « حزب الله » حتى من أشدهم خصومة له، وفي مقدمهم رئيس حزب الكتائب الشيخ سامي الجميل خطابًا سياسيًا توافقيًا نقديًا للثنائي وكأنه نقدًا مبطنًا لحزبه بقيادة أسرته يوم تحكموا بالمفاصل الأساسية للحياة السياسية والإدارية في لبنان . 

لم يتناول لا الجميل ولا سواه –باستثناء جعجع بذهنيته المريضة - أي منهم الشيعة كمذهب ديني ولا كمكون يكلمة جارحة ، ولم يفاجئنا وعيهم السياسي وحرصهم البادي على مصلحة الوطن و المواطن بعد كل النكبات التي أنزلها كل من شارك في الحكم ، وكل على قدرما ملكت يداه .

اختلف الأمرمع اختيار الأكثرية النيابية القاضي نواف سلام رئيسًا للحكومة العتيدة ، وعلى ما شاع فإن هناك اتفاقًا نقضه المفاوض مع الثنائي وتراجع عنه فأحس الثنائي بطعنة في الظهر ، وكان له موقفًا سلبيًا بدت أولى تجلياته في تحذيرات واعتراضات عالية النبرة .

في كلمة لرئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد يوم الاستشارات عتاب وخيبة أمل و تحذير واتهامات لا افتراء فيها ولا تحامل بعد نشوة الاستقواء المستورد ؛ والذي لولاه - مع الأسف - ربما ماكنا قد توصلنا إلى الانتخابات الرئاسية وتكليف الرئيس نواف سلام المثقف الثوروي الكفؤ النظيف الكف الحسن السمعة والسلوك العام : «مرة جديدة يكمن بعض فرقاء الداخل من أجل التفكيك والتقسيم والإلغاء والاقصاء تعمدًا وكيديةً»، مشيرًا إلى أنَّ الكتلة خطت خطوة إيجابية عند انتخاب رئيس الجمهورية وكانت تأمل أن تلاقي اليد التي لطالما تغنت بأنها ممدودة وإذ بها قطعت» . وفُهم منها ردة فعل مقلقة لكنها قد لا تمنع مشاركة الثنائي الوطني في الحكومة العتيدة ، وأوحى من خلالها أن كتلته تقاطع الاستشارات وتثمن موقف الرئيس: «لقاؤنا مع الرئيس جوزيف عون من أجل أن نعرب عن أسفنا لمن يريد أن يخدش إطلالة العهد التوافقية » .

*****

والت الشيعة الثنائي الوطني كما لم توالي أحدًا من قبلهم ، وقد لا ينال أي كان في المستقبل ما نال الثنائي الوطني (الشيعي) ، دون أن يعني ذلك النظر بريبة إلى كل من لم يوالهما سياسيًا -وكثير منهم لأغراض مشبوهة - ، أوأن تلحق به شبهة، وفي القرآن الكريم آيات حول حرية المعتقد حتى الإيماني .

ومن الشيعة، على مسافة من الثنائي واحدهما أوكليهما ولدوافع و/أو أسباب متنوعة : بعضها ولاء موروثًا صار عبئًا على التابع و المتبوع ، وآخر نفعيًا شخصيًا أو «خروج من المولد بلا حمص »، وثالث ارتزاقًا أو ارتباطًا أو عمالة ورابع متأذٍ أومتضررفي غير وجه حق غالبًا ( وهذا لا يعني أن ليس في صفوف «حزب الله» أو «حركة أمل » من يماثلهم ، وهذه من مكونات كل الحركات السياسية حتى و الدعوات الدينية أيام الرسل و الأنبياء على مدى الزمن كما وصل إلينا، أو استقواءً بتلك المكونات) وخامس من منطلقات فكرية أو عقائديا أو سياسية وسادس يختلف عنهم في وجهات النظر ومعهم في التقييم أو التوصيف ، ولا يصح أن يُنظر إلى الجميع بعين واحدة ، فلكل حالة حكمها . هذه من المسلمات .

*****

صحيح أن الثنائي يمثل الأكثرية الشيعية إلا أن فشله في الاحتفاظ بحصته الوازنة لا يعني أن الشيعة يتقهقرون ، فعندهم من أسباب الوعي و التطور و المناعة و القدرات ما يحصنهم ما يعزز دور الثنائي . وفي حديث الرئيس عون مع وفد المجلس الإسلامي الشيعي يوم يوم استقباله له 14/1/2025 : «ما حصل بالأمس( محصلة الاستشارات ) هو عملية ديمقراطية أوصلت الى نتيجة معينة، وهناك مراحل أخرى. ربما نضطر مرات الى التراجع خطوة الى الوراء، ولكن هناك مصلحة عامة هي الأهم»، في حديثه فهم وقناعة ورؤية إنقاذية . وعلى أمل أن تكون الانتخابات الرئاسية وتكليف الرئيس سلام تشكيل حكومته خطوة الألف ميل بثلاثية الإعمار والـ1701 والطائف وبالتزامه «هذه دعوتي الصادقة ويداي الاثنتان ممدودتان للانطلاق سويا في مهمة الإنقاذ والإصلاح وإعادة الإعمار»، و برِهَانه «الرهان الصحيح هو على وحدتنا» ،ونهجه في الحكم  « أنني بفطرتي وتكويني وممارستي السياسية لست من أهل الإقصاء بل من أهل الوحدة، ولست من أهل الاستبعاد بل من أهل التفاهم والشراكة الوطنية»،  فلنعمل معًا ولتعمل كل التيارات السياسية بعيدًا عن المهاترات والكيدية و الشعبوية السلبية ، ولتتقدم المصلحة اللبنانية الشاملة و العامة على كل مصلحة أخرى، وليكن منها المنطلق وفيها المصب .

*****

من الثوابت ،أن مجاهدي و مناضلي «الثنائي الوطني« حزبًا وحركة» كانا الأفعل في مقاومتهم العدو الصهيوني على مدى أكثر من أربعين عامًا وتحرير معظم الأراضي اللبنانية ، وتحقيق انتصارات غير مسبوقة بفرضهم تلك الانسحابات دون أي مفاوضات . والتمسك بحقوق لبنان في ثرواته وتحصيل أقصى ما يمكن منها. ودوره في إعادة لبنان محورَا مركزيًا في المنطقة؛ فلا حرب ولا سلام ولا استقرار بلا لبنان.

نتيجة لتلك المسلمات و الثوابت صارالثنائي صاحب النفوذ الأقوى وكان التصويب عليه ؛ فصح فيهم قول«ابن الوردي» في لاميته :

«إنَّ نِصــفَ النــاس أعـداءٌ لِمَن ولي الأحـكام هذا إن عـدل»

افترق ناس المكونات الطوائفية والمذاهب الأخرى حول القرب من التموضع السياسي للثنائي ، فكان بينهم المؤيد و الحليف و الخصوم و العدو . واللافت أن أول من انفض عن «حزب الله » في زمن أصابته السهام الأميركوصهيونية كان حلفاؤه ومعظمهم أخطأ في التحالف معهم ، وكانت خسائره أقل لوتعامل معهم على القطعة.

*****

رهاننا على أن الوعي الديموقراطي وفهم فلسفة الديموقراطية يجنب البلاد انقسامًا أفقيًا بعد هذا الانقسام العامودي وتداعياته ، ويجنبها ردة الفعل الشعبية على المتداوال بأن محاولات إقليمية ودولية قفزت فوق الميثاقية لإعادة الشيعة إلى عقود الحرمان والأفقار والتجهيل، وتشكيل حكومات بلا وزراء شيعة وتعيين موظفي فئة أولى بغبن فاضح نال من الشيعة دون سواهم . فثقة الشيعة بأنفسهم وتمسك اللبنانيين بالعيش المشترك يسقط مقولات تهميش الشيعة واستبعادهم و تحجيمهم أومحاولة ذلك أو حتى مجرد توهم ذلك أو التفكير فيه ،ويُظهّر حقيقة ما جرى على أنه أكبر من أزمة سياسية عابرة ودون مأزق وطني وطني عارم ؛ نتيجة تنصل جهة ما من التزماتها بترك الرئيس ميقاتي في السراي ، ردًا ساذجًا على تفرد قيادة الثنائي الوطني بحكم البلاد موظفين ديموقراطية لا تتوافق مع منهجية الشراكة المحلية والإقليمية والدولية، للحد من تمادي نفوذها ، علمًا أن الرئيس نواف سلام أقرب إلى نهج وفكر المقاومة ونضالاتها ،دون الانتساب إليها ، وإلى تطلعات الشعب في محاربة الفساد والفاسدين، وتحرير كل شبر من لبنان ووقف التعديات الصهيونية المتمادية عليه تحت سمع و أنظار لجنة مراقبة القرار1701( ونذكر أنه على رأس محكمة العدل الدولية التي أدانت نتنياهو واستدعته للتحقيق معه ، وهو ما لم يقدم عليه أحد قبله ) وتطلع الجنوبين إلى الاستقرار الآمن قائلًا يوم تكليفه14/1/2025 : «يجب العمل الجاد على التنفيذ الكامل للقرار 1701 وفرض كامل بنود اتفاق وقف إطلاق النار» مضيفًا : «سنعمل على إعادة إعمار قرى الجنوب تمهيدا لعودة اللبنانيين إليها» . و «التصدي لنتائج العدوان الأخير من أهم التحديات التي تواجهنا اليوم، وحان الوقت لبدء فصل جديد متجذر بالعدالة والأمن.»

لكن هذا لا يلغ حق «الثنائي الوطني»( الشيعي ) الممثل الأكثري شعبيًا للشيعة والوحيد في الحكم والسلطة -وقد طُعِنَ من حلفائه ومِن مَن قدم له ضمانات حملته على الاقتراع للرئيس عون للتمسك ب«ضمانات جدية تتصل بالمشاركة الحقيقية في الحكومة، إضافة إلى البت في نقاط أخرى أبرزها تلكَ المتعلقة بتفسير القرار 1701 والتأكيد على تطبيقه جنوب الليطاني والاتفاق على مواجهة العدو الصهيوني، كما يهتم الثنائي بمصير التفاهمات التي أُبرمت مع عون والتي تتعلق بالحكومة وشكلها وصولاً إلى مسألة التعيينات »

ولتأخذ بالحسبان مواقف الرئيسين عون وسلام بفتح ذراعيهما للجميع مما يحتم على الجميع وفي طليعتهم الثنائي الوطني ملاقاتهما لبناء لبنان الذي نطمح إليه .

منطلقين من مواقف عهد قطعه الرئيس جوزاف عون بالعمل على كرامة المواطن و تقدم الوطن الحر السيد المستقل، ثم أكده يوم الثلاثاء 14/1/ 2025باعتذاره عن تقبل التهاني إيمانًا والتزامًا بمقولة الإمام موسى الصدر :            

   « كوني ابن الجنوب رفضت أن أتقبل التهاني احتراماً لأرواح الشهـداءالذين سقطوا جراء الاعتــدا ءات الصهيونية ، وأنا أؤمن بما قاله الإمام موسى الصدر بأنّه لا يمكن أن يكون لبنان مبتسماً وجنوبه متألم أو باكٍ».                    

 وتحية إلى السيدة الأولى نعمت عون في رسالتها إلى العامليين الجنوبيين:                         

                                      «دمي جنوبي وبيتي بالجنوب.. ورح نعمر نحنا وياكن سوا الجنوب وراجع الجنوب».