فيتو أميركي: لا تمويل خليجي لمساعدة لبنان

فيما لا تخفي المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس أهداف الولايات المتحدة المعلنة ومطالبها من لبنان, تواصل الإدارة الأميركية ممارسة الضغوط على الواقع اللبناني بأساليب مباشرة وغير مباشرة.
وعلمت "الأخبار" من مصادر دبلوماسية عربية أن الأميركيين أبلغوا دولاً خليجية, من بينها قطر والسعودية, بضرورة عدم تقديم أي دعم مالي للبنان في المرحلة الحالية, في انتظار التطورات مع إيران وما سيقوم به اللبنانيون لتنفيذ الشروط الأميركية, الاقتصادية والسياسية والأمنية. وبحسب المصادر, فإن هذا "الفيتو" غير المعلن "جزء من سياسة الضغط الأقصى حتى تحقيق الأهداف المتمثّلة بإزالة أي عائق أمام فرض تسوية مع لبنان تنهي حالة الصراع مع إسرائيل ولا سيّما سلاح حزب الله, مهما كانت العواقب على لبنان, مع تبنّي الموقف الإسرائيلي تجاه بيروت". وأكّد المصدر أن "هذا القرار الأميركي لا يقتصر على لبنان, بل يشمل أيضاً سوريا التي يطالبها الأميركيون بتنفيذ لائحة مطالب أعلنوها بوضوح".
وفيما نفى مصدران رسميان لبنانيان علمهما بهذا "الفيتو", أكّد مصدران سياسيّان صدقيّة مثل هذا التوجيه الأميركي لدول الخليج.
وقال مصدر مقرّب من الأميركيين إن "الولايات المتحدة تبحث عن حسم الصراع العربي ـ الإسرائيلي لتحقيق أهدافها الكبرى في الشرق الأوسط وصراعها مع الصين وليس عن مصلحة إسرائيل فقط", قال مصدر سياسي آخر إن "هناك ملامح خطة أميركية لعرقلة أي دعم مالي للبنان قبل الانتخابات النيابية المقبلة عام 2026, إذ يتوقّع الأميركيون أن تُحدِث سياسة الضغط الأقصى تغييرات جذرية في البرلمان اللبناني وتدفع الناخبين اللبنانيين إلى معاقبة حزب الله على نتائج الحرب والأوضاع الاقتصادية الصعبة".
وتابع المصدر أن "أعضاء في اللوبي الأميركي - اللبناني يسعون إلى إقناع الإدارة الأميركية بضرورة العمل على منع حزب الله وحركة أمل من الحصول على كامل الحصة الشيعية في البرلمان وتحقيق خرق ولو بنائبٍ واحد ليتم ترشيحه إلى رئاسة البرلمان وانتزاع الرئاسة الثالثة من الثنائي لتحقيق تحوّل سياسي كامل في المشهد اللبناني يمكن من بعده العمل على انفراج اقتصادي". ويضيف المصدر أن "دولاً أوروبية من بينها فرنسا تعارض هذه السياسة باعتبار أن الواقع اللبناني هشّ للغاية وأي استبعاد لمكو. ّن لبناني بالكسر يصعّب الوصول إلى حكمٍ مستقر ويترك لبنان عرضة للصراعات الداخلية".
كثيرة هي الأسباب الاستراتيجية التي تؤكّد أن إدارة الرئيس دونالد ترامب لا تمانع استخدام كل الوسائل القاسية, ومن بينها حجب المساعدات عن لبنان, لتحقيق رؤيتها للشرق الأوسط من ضمن صراعها مع الصين أولاً وروسيا ثانياً, إذ إن إدارة ترامب, التي تتبنّى عملياً مواجهة الصين وروسيا, تتابع ما توصّلت إليه إدارة الرئيس جو بايدن عن أهمية حسم الصراع في منطقة الشرق الأوسط وكبح جماح النفوذ الصيني تحضيراً للتركيز على مواجهة النفوذ الصيني الآخر في المحيط الهادئ.
كما أن إدارة ترامب السابقة هي التي بدأت مسار الاتفاقات الإبراهيمية وصفقة القرن, وتتبنّى كما سابقتها الممر الهندي نحو أوروبا كبديل عن خطة الحزام والطريق الصينية لاستمالة الأوروبيين في الحرب على الصين. كل هذه الأهداف تجعل من إخضاع لبنان وإدخاله في سلسلة الاتفاقيات الإبراهيمية, جزءاً من تغيير الواقع في الشرق الأوسط وترسيخاً للمصالح الأميركية, فضلاً عن أن الكباش الحالي مع إيران, يتطلّب زيادة الضغط على حلفائها في المنطقة وحصر نفوذها الإقليمي, باعتبار طهران أبرز حلفاء الصين في الشرق الأوسط وتعادي إسرائيل الحليفة الأولى للولايات المتحدة.
وبينما من المنتظر أن يزور الرئيس جوزف عون قطر والإمارات العربية المتحدة الأسبوع المقبل, تكشف الوقائع حتى الآن, أن دول الخليج الداعمة مالياً إجمالاً, منكفئة عن تقديم الدعم المادي للبنان, وحتى لسوريا التي باتت تربطها علاقات ممتازة مع قطر وجيدة جداً مع السعودية بعد سيطرة "هيئة تحرير الشام" على دمشق.
فرغم الدعم السياسي السعودي للرئيس جوزف عون مطلع آذار الماضي, لم تأت زيارته إلى الرياض بنتائج مباشرة لناحية الحصول على دعم مادي سعودي, بل أظهرت المواقف الرسمية تمسّكاً سعودياً بالثوابت التي كرّرتها المملكة خلال الأعوام الأخيرة عن ضرورة تحقيق الإصلاحات في لبنان. وكذلك الأمر بالنسبة إلى قطر التي امتنعت عن تقديم المساعدات المالية خلال الأشهر الأخيرة حتى للسياسيين اللبنانيين خارج الإطار الرسمي, ولم تجدّد دعمها للجيش بعد أن اعتادت في العامين الأخيرين على دعمه بمبالغ مالية محدّدة. وظهرت سياسة حجب الأموال عن لبنان بشكل واضح خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة, إذ لم تقدّم قطر أو السعودية أي إغراءات مادية للسياسيين رغم التنافس الرئاسي المُعلن وغير المُعلن.
أما في سوريا, فيبدو أن السياسة ذاتها يتّبعها الأميركيون. فبعدما كشفت وكالة "رويترز" عن طلب أميركي مباشر من قطر بعدم تقديم أي دعم مالي للإدارة السورية المؤقتة, تظهر الوقائع أن الدعم السعودي والقطري للحكومة المؤقتة في دمشق يقتصر على التدريب والدعم العيني والطبي من دون تقديم أي دعم مالي.
وبينما جرى الحديث عن نية قطر تمويل رواتب الموظفين السوريين الذين يحصلون على رواتبهم متأخّرة بعد أن تخلّت الحكومة ضمناً عن زيادة 400% التي وعدت بها رغم التخلي عن مئات آلاف الموظفين بعد سقوط النظام السابق (قدّرهم رجل الأعمال أيمن الأصفري بأكثر من 600 ألف موظف), إلّا أن أي أموال قطرية لم تصل إلى دمشق بعد, واكتفت الدوحة بتقديم تدريب للموظفين الجدد في وزارة الخارجية السورية وبعض الأسلحة وأجهزة الاتصال لفريق حماية زعيم "هيئة تحرير الشام" أحمد الشرع.
ويقول المصدر الدبلوماسي العربي إن "الدول العربية تريد مساعدة لبنان, لكنها لا تريد دفع الأموال من دون نتيجة ولا إغضاب الأميركيين, والأهم أنها تفكّر في ما سيطلبه ترامب في زيارته الخليجية الشهر المقبل وكيفية جمع التريليونات المطلوبة وسط التوترات الاقتصادية وتراجع أسعار النفط".
فراس الشوفي - الاخبار