بناء الدولة وتجاذبات الاقليم والحوار بين الرئيس عون وحزب الله

بناء الدولة وتجاذبات الاقليم والحوار بين الرئيس عون وحزب الله
اعترفت نائبة المبعوث الأميركي مورغان اورتاغوس أن المسؤولين اللبنانيين أنجزوا خلال الأشهر الستة الماضية أكثر مما فعلوا على الأرجح طيلة السنوات الخمسة عشرة الماضية. وبأن الرئيس اللبناني جوزاف عون حقق إنجازات غير عادية في فترة قصيرة. كما اعتبرت هذه الإنجازات غير كافية باعتبار أن المطلوب أميركيا نزع سلاح حزب الله على كامل الأراضي اللبنانية.
مقاربة أورتاغوس هذه غير منصفة كونها تنظر فقط إلى الكأس نصف الفارغة من دون أن تأخذ تعقيدات الوضع اللبناني والتعقيدات الناجمة عن عدم التزام اسرائيل لوقف النار واستمرار احتلالها للنقاط الخمس والإعتداءات الاسرائيلية واستمرار الإغتيالات والقصف المتواصل وعجز لجنة المراقبة الدولية الشريكة فيها المندوبة الأميركية.
الواضح أن الرئيس جوزاف عون يتعامل مع هذه التعقيدات بحكمة. فهو يعمل على كسب ثقة المواطن بالدولة وثقة الخارج الدولي والعربي بلبنان. وهو يتحفظ على نظرية تجريد سلاح حزب الله بالقوة لأنه يعرف سلفا أن ذلك يعرّض علاقة الدولة بمكوّن أساسي ويستدرج الوضع إلى فتنة أهلية ويعيق فكرة بناء الدولة التي يسعى إليها عبر خريطة طريق قوامها الإصلاح ومواجهة الفساد والمواطنة والإبتعاد عن الإثارة السياسية أو الطوائفية.ويدرك الرئيس جوزاف عون أن حزب الله يساند فكرة الدولة وبالتالي فإن المخرج للسلاح هو في الحوار معه وبتدرج أساسه إرساء مساعدة الفاعل الرئيسي الأميركي في المنطقة على تنفيذ بنود الإتفاق الذي ينص على وقف إطلاق النار والإنسحاب الإسرائيلي من النقاط الخمس واحترام السيادة اللبنانية.
ويعرف الرئيس عون أن حزب الله ومعه الرئيس بري يؤثران الحوار حول السلاح وحول كل الملفات العالقة على أن تكون الدولة اللبنانية هي الرابحة على قاعدة ’’لا غالب ولا مغلوب‘‘. فالإنتخابات البلدية أثبتت أن حزب الله انتزع ’’شرعية شيعية شاملة‘‘ عبر ممارسة الديموقراطية. وهذا شأن لا يمكن إلا أن يأخذ به ’’اللاعب الأميركي‘‘ بالإعتبار فيشجع مثل هذا ’’الخيار‘‘ باتجاه بناء الدولة.
وأي مراقب سياسي للوضع في الاقليم يلمس بأن المعادلة الأساسية هي أن الأميركي يبحث عن الإستقرار وإشاعة الإستثمار ويخص لبنان بالتحديد في كلام لوزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو من أن لبنان يستفيد مستقبلا من ظاهرة الإستقرار. بالتأكيد هذا الأمر يرتبط إلى حد بعيد بالمفاوضات الأميركية الايرانية رغم التشدد والتصريحات الأميركية والايرانية على السواء. ذلك أن واشنطن التي تهيمن سياسيا وأمنيا على المنطقة تريد تحديد موقع طهران في الحسابات الأميركية وفي دورها في مضيق هرمز وأن تتحكم بفائض الإنتاج الايراني المخصب عبر دور ’’الشريك الروسي‘‘. هنا جوهر المشكلة بين واشنطن وطهران. وعلى هذا الجانب يتم ’’الإشتباك‘‘ الذي حكما سيفضي إلى توافق.
معنى هذا الأمر أن سياسة الرئيس جوزاف عون تأخذ في الإعتبار الرؤية الأميركية للمنطقة ومعها الإعتبارات الايرانية والممانعة. وهو على حق في هذا التوجه خلافا لدعوات ’’المغامرات‘‘ التي لا تتيح المجال إلا أمام الفتنة والفوضى في لبنان.
لا شك بأن بناء الدولة يحتاج إلى صبر وإلى ارتقاب توازنات جديدة في المنطقة كما يحتاج إلى ’’حاضنة شعبية‘‘ غير طائفية سيّما وأن الولايات المتحدة الأميركية هي بدورها تحتاج إلى لبنان كمنصة لإدارة شؤون الاقليم وتهدئة نزاعاته.
عبد الهادي محفوظ