السعودية ونهاية زمن الشيكات المفتوحة ، ما المطلوب من السعودية اليوم؟ ميسم حمزة

نشرت صحيفة الرياض السعودية مقال بعنوان" من اعتادوا تلقي المساعدة السعودية بلا إصلاح عليهم أن يُراجعوا أنفسهم" لفتت فيه إلى أن "الأمور تغيّرت، والمعادلات لم تعد كما كانت؛ فنحن اليوم أمام مرحلة سعودية جديدة، تُفرّق بوضوح بين الدعم العشوائي، والدعم المشروط بالتغيير والالتزام.. فمنذ تصريح معالي وزير المالية في دافوس 2023 بأن "المنح المباشرة انتهت"، كان على الجميع أن يدرك أن زمن الشيكات المفتوحة قد انقضى، وأن السعودية تبحث عن شراكات جديدة، لا طفيليات جديدة".
ومن يقرأ المقال جيدا يلاحظ عددا من النقاط ابرزها:
1- نهاية زمن الدعم غير المشروط: تشير الصحيفة إلى أن السعودية لم تعد مستعدة لأن تكون "المموّل الصامت" أو أن تقدم شيكات مفتوحة لدول لا تلتزم بالإصلاح أو الشفافية. الدعم اليوم مرهون بالشروط: الإصلاح، الشفافية، الكفاءة، والمردود الحقيقي على الأرض.
2- تحوّل من العاطفة إلى المصالح: السياسة السعودية الجديدة باتت تُبنى على المصالح المتبادلة وليس على المجاملات أو العلاقات العاطفية. المملكة تتعامل اليوم كشريك ناضج في المنطقة، يبحث عن تنمية حقيقية واستقرار مستدام.
3- التخلّي عن الاتكالية وتشجيع الشراكة: السعودية ترفض أن تُستنزف مواردها في دول غارقة بالفساد أو تفتقر للرؤية. الخطاب شديد الوضوح: من يريد المساعدة، فليبدأ من الداخل، لا من على المنابر الإعلامية.
4- مساءلة صارمة وتحوّل في الأدوار: أصبح للمملكة اليوم حق واضح في تقييم الأداء، ومساءلة المستفيدين من دعمها، واختيار من يستحق الشراكة. هذا ليس تعنتًا بل "درس استخلص من تجارب الماضي".
5- رؤية تنموية إقليمية شاملة: المملكة تدرك أن استقرارها الداخلي يرتبط ارتباطًا وثيقًا باستقرار محيطها العربي، لكنها تريد لهذا الاستقرار أن يقوم على أسس تنموية، لا على ضخ الأموال في فراغات فاشلة.
لماذا هذا المقال
لا يخفى بأن هذا المقال يمثل إعلانًا غير مباشر عن مرحلة سياسية جديدة تقودها المملكة في علاقتها مع الدول العربية، خصوصًا تلك التي تعاني أزمات متكررة دون خطوات إصلاحية واضحة. ويعطي رسالة واضحة بأن المال السعودي لن يُعطى إلا لمن يستحق، ومن يلتزم، ومن يملك خطة حقيقية للتنمية. ويتضمن تحذيرًا غير مباشر لبعض الدول التي اعتادت الاعتماد على الدعم السعودي دون أي تغيير جوهري في أدائها السياسي أو الاقتصادي.
السعودية في مرحلة التحول.. فليكن الانفتاح للجميع لا للبعض
في زمن التحولات الكبرى التي تعيشها المملكة العربية السعودية، لا يمكن إنكار حجم التقدم والإصلاح الذي تشهده الدولة على مختلف المستويات، من الاقتصاد إلى السياسة، ومن المجتمع إلى العلاقات الخارجية. هذا التحول الذي تقوده رؤية 2030 رسم للمملكة صورة الدولة المبادِرة، الشريكة، والمستثمرة في الاستقرار والتنمية، لا المانحة الصامتة.
لكن، وسط هذا التحول الإيجابي، يُطرح تساؤل مشروع: هل هذا الانفتاح، وهذه السياسة الخارجية الجديدة، تشمل الجميع؟ أم أنها لا تزال تُدار أحيانًا بمنطق الاصطفافات السياسية، والانتقائية في الشراكات، على حساب وحدة الصف العربي، والمصلحة الإقليمية الشاملة؟
فالساحة العربية مليئة بالدول المتعثرة، والمجتمعات التي تبحث عن فرص للخروج من أزماتها وتحتاج إلى الدعم بصدق، لا التهميش.
إن المصلحة السعودية الحقيقية، لا تكمن فقط في دعم الدول "الصديقة"، بل في احتضان المشروع العربي بأكمله، من دون استثناء، ومن دون أن تتحول المملكة إلى منصة لترجيح كفة على حساب أخرى.
المملكة اليوم في موقع القوة، وذات تأثير كبير، ولديها القدرة على أن تكون الجسر لا الحاجز، وأن تلعب دورًا وحدويًا جامعًا، لا انتقائيًا مفرقًا.