فضيحة الأدوية المزوّرة

شهد لبنان عام 2025 واحدة من أخطر الفضائح الصحية في تاريخه، بعد الكشف عن شبكات تهريب وتوزيع أدوية مزوّرة، بينها أدوية مخصّصة لعلاج مرضى السرطان، دخلت البلاد عبر مطار رفيق الحريري الدولي. هذه الأدوية لم تقتصر آثارها على تدهور صحة عدد من المرضى، بل تسببت أيضاً بوفاة بعضهم، لتفتح الباب على أزمة عميقة تطال الثقة بالمؤسسات الرسمية.
معاناة المرضى: قصة فاديا المكاوي
فاديا المكاوي، شابة مصابة بسرطان الثدي، روت تجربتها المريرة مع الدواء المزوّر. بعدما عجزت عن تأمين العلاج في لبنان، اضطرت إلى شرائه من تركيا مقابل 900 دولار. عند خضوعها للعلاج، تحوّل الدواء داخل المصل إلى كتلة بيضاء، لتكتشف طبيبتها أنه مزوّر وكان يهدد حياتها. هذه الحادثة دفعتها إلى مغادرة لبنان نحو مصر ثم قطر، مؤكدة أنها لا تفكر بالعودة إلى بلد "باع مرضاه"، على حدّ تعبيرها.
شبكات تهريب ونفوذ سياسي
التحقيقات كشفت عن تورّط شبكات تهريب تضم عناصر أمنية وشخصيات نافذة، ما أثار أسئلة كبرى حول فعالية الرقابة الحكومية وقدرتها على مكافحة الفساد. الأدوية المهرّبة كانت تُباع في السوق السوداء بأسعار مرتفعة، فيما وزارة الصحة تعاني من نقص في التمويل وعجز عن تأمين الأدوية المرخّصة للمرضى.
استجابات خجولة وإجراءات مطلوبة
في مواجهة الأزمة، أطلقت وزارة الصحة العامة حملة توعية تحت شعار: "إذا أخدتوا يمكن ياخدكُن"، لتحذير المواطنين من مخاطر استهلاك الأدوية المهربة والمزوّرة. كما شكّلت السلطات لجنة تحقيق قضائية موسّعة لملاحقة المتورطين، مع التأكيد على ضرورة محاسبة المسؤولين الكبار وعدم تحميل الصغار وحدهم المسؤولية.
أزمة ثقة تتفاقم
تداعيات هذه الفضيحة لم تقف عند الجانب الصحي، بل طالت أساس العلاقة بين المواطنين والدولة. فالكشف عن ثغرات بهذا الحجم في الرقابة، وضلوع أصحاب نفوذ في شبكات التهريب، عمّق شعور اللبنانيين بفقدان الثقة بمؤسساتهم، وأعاد إلى الواجهة مطلب الإصلاحات الجذرية والشفافية في إدارة القطاع الصحي.
نحو إصلاح جذري
فضيحة الأدوية المزوّرة وضعت لبنان أمام استحقاق لا يحتمل التأجيل: تعزيز آليات الرقابة الدوائية، محاسبة الفاسدين مهما علا شأنهم، وتطوير خطط جدّية لضمان الأمن الدوائي. فصحة المواطنين لم تعد تحتمل أن تكون رهينة الفوضى والفساد والإهمال.