عاماً من الغموض.. قاع المحيط يخفي تهديداً أخطر من "دي دي تي"

عاماً من الغموض.. قاع المحيط يخفي تهديداً أخطر من "دي دي تي"


على مدى أكثر من نصف قرن، أخفت مياه المحيط الهادئ قبالة سواحل لوس أنجلوس أحد ألغاز البيئة الأمريكية الأكثر إلحاحاً، عشرات آلاف البراميل الصدئة التي ألقيت في قاع البحر خلال منتصف القرن العشرين. وكان يُعتقد لفترة طويلة أن هذه البراميل تحتوي على مبيد الآفات المحظور "دي دي تي" DDT، لكن أبحاث حديثة كشفت أن الواقع أكثر خطورة.


أظهرت دراسة جديدة نُشرت في مجلة PNAS Nexus، أجراها باحثون من معهد سكريبس لعلوم المحيطات ومعهد شميدت للمحيطات، أن هذه البراميل تحتوي على نفايات صناعية قلوية شديدة، ليست فقط مسببة للتلوث الكيميائي، بل تغيّر بيئة قاع البحر بالكامل وتهدد النظم البيئية البحرية بطرق غير متوقعة.


بين ثلاثينيات وسبعينيات القرن الماضي، كانت شركات مثل مونتروز للكيماويات تُفرغ نفاياتها الكيميائية في المحيط بشكل روتيني، مستغلةً غياب اللوائح البيئية آنذاك. وقد تم تحديد أكثر من 27 ألف برميل عبر رسم خرائط قاع البحر، معظمها بين جزيرة سانتا كاتالينا وساحل كاليفورنيا.


المفاجأة الكبرى جاءت أثناء مهمات أخذ عينات عامي 2021 و2022، إذ أظهرت قياسات تركيز الـ DDT منخفضا بشكل غير متوقع، بينما أظهرت مستويات الرقم الهيدروجيني (pH) قرب البراميل حوالي 12، ما يشير إلى قلوية شديدة، تفاعل معها مياه البحر مكونًا معادن مثل البروسيت التي تحوّل الرواسب إلى مناطق طباشيرية صلبة.


وليس التغيير جماليا فقط، بل بيولوجيا أيضًا. فقد لاحظ الباحثون انخفاضا حادا في التنوع الميكروبي حول المناطق المتضررة، مع بقاء فقط الميكروبات المتحملة للظروف القاسية، ما يهدد صحة النظم البيئية وقنوات التغذية في المحيط، ويؤثر على تخزين الكربون وإنتاجية مصائد الأسماك.


وحذرت الدكتورة جوهانا جوتلبن، الباحثة الرئيسة، من أن هذه النفايات القلوية قد تكون "أُهملت بالكامل" في التقييمات السابقة للتلوث البحري، مما يسلط الضوء على نقطة عمياء تنظيمية في كيفية تحديد المخاطر البيئية وإدارتها.


وتؤكد الدراسة على أهمية التقنيات الحديثة مثل مركبة SuBastian الموجهة عن بُعد، التي مكّنت العلماء من الوصول إلى أعماق تزيد عن 900 متر وجمع صور وعينات دقيقة، ما قد يفتح الباب لاكتشاف المزيد من هذه المخاطر الكيميائية حول العالم، وفقاً لـ " dailygalaxy".


مع تزايد الضغط على الهيئات البيئية لتوسيع نطاق المراقبة، يبدو أن المحيطات التي اعتقدنا أنها تعرفت على ملوثاتها، تحمل تحت سطحها أسرارا كيميائية جديدة ربما تغيّر فهمنا للتلوث البحري وتهديداته طويلة الأمد.