خاص الموقع: مسؤولية جمال عبد الناصر ودوره في إسقاط أهداف عدوان 1967 السياسية

خاص الموقع: مسؤولية جمال عبد الناصر ودوره في إسقاط أهداف عدوان 1967 السياسية

خاص الموقع: مسؤولية جمال عبد الناصر ودوره في إسقاط أهداف عدوان 1967 السياسية

حسن محمود  قبيسي 

مؤرخ وكاتب سياسي 


نجم عن عدوان 1967 نكسة ،كما أسماها جمال عبد الناصر، وهي هزيمة عسكرية ليس إلا، بصرف النظر عن فداحتها، ، ومهما بلغت فداحتها تلك، وما من قائد تاريخي إلا تعرض لهزيمة بمقياس معين . فهي لم تحقق من أهدافها إلا احتلال أرض . لم تنهِ الصراع العربي الصهيوني ، ولم تحمل الشعب العربي على الاستسلام ، ولا فكت مصر في عصر عبد الناصر ارتباطها بأمتها العربية ،ولا اعترف العرب في عصره بالكيان المغتصب كدولة بل زادته صمودًا و تصديًا ومقاومة ومن أبرز تجلياتها معركة الكرامة في الأردن في آذار 1968 ، وتصعيد العمليات العسكرية الفدائية منها وحرب المواقع ، وحرب الاستنزاف في مصر ، وحرب تشرين و تحرير جنوبي لبنان. ولم تسقط نظام عبد  الناصر ،بل استقبله شعب السودان بحفاوة منقطعة النظير ، ورفع الزعماء العرب المجتمعين يومها : « لاصلح – لا تفاوض – لا اعتراف ». 

*****

كشف العدوان خللًا واضحًا وخطيرًا في توازن القوى بين البلاد العربية مجتمعة من جهة ،وكيان العدو الصهيوني من جهة أخرى، إضافة إلى الاختلاف في فهم إدارة الصراع بين الفريقن ؛ ففي الوقت الذي كان فيه العدو الصهيوني يعد للحرب ، كانت طبول الحرب تقرع في مصر و سورية والأردن ، دون أي استعدادات جدية.  

تحمل جمال عبد الناصر مسؤولية الهزيمة وهو فعليًا أكثر من حاول تلافيها وسط ظروف غاب فيها حس المسؤولية عند جميع المسؤولين العرب ؛ ووبذلك يكون قد شق طريق إزالة آثار العدوان .  

في الواقع العربي      

  كانت المحسوبية ورضى قائد  الجيش المصري المشير عبد الحكيم عامر هي معيار الترقية وعلو الرتب فتكّون ما عرف ب « مراكز القوى »، وأُبعد أصحاب الكفاءات إلى مراكز مدنية وإدارية .                                               

      مسؤولية جمال عبد الناصر عن الإبقاء على المشير عامر و إطلاق يده لا يستهان بها .                 

     فالمشير عامر هو المسؤول كقائد للجيش المصري عن الهزيمة العسكرية سنة 1956 ، وعن الانفصال سنة 1961 ، وعن الانتكاسات في صفوف الجيش المصري وحلفائه من جمهوريّ اليمن . والمشير هو القائد  الوحيد في جيوش ذلك الزمن الذي نأى بنفسه عن الالتحاق باي دورات تنشيط معلومات، ولم ينتسب إلى إي أكاديمية عسكرية أو كلية أركان حرب ، واقتصرت خبراته ومقدراته على ما اكتسبه قبل قيام الانقلاب / الثورة صبيحة 23تموز /يوليو1952. عاش حياته الشخصية بصخب و استهتار وخفة لاتليق بمركزه ومسؤولياته . وتكفي الاشارة إلى ما دار في اجتماع يوم 1-5- 1967 بدعوة من جمال عبد  الناصر لمناقشة تقرير أرسله الجاسوس المصري في الكيان الصهيوني رفعت علي سليمان الجمال (رأفت الهجان) إلى المخابرات العامة المصرية يحدد فيه تفاصيل دقيقة ومذهلة حول عدوان يُعد له ، وفيه يوم ووقت الشروع به، وعندما استوضح عبد الناصر المشير عن استعدادته رد الأخير« برقبتي يا ريس » إشارة إلى استعداد الجيش المصري للقتال .                                         صدّق عبد  الناصر وصدّق الباقون ما صدقّه . انفض الاجتماع ومضى المشير إلى حيث تنتظره « الشلة » لقضاء ليلة من ليال اعتادوا على عيشها و عبثهم فيها . أكثر من ذلك ، أمضى ليلة التحسب للعدوان بعبث مراهق صبياني. وفي الصباح أقلعت طائرته بذريعة أنه طار لتفقد قواته ، وأثناء ذلك بدأ العدوان ، وطبيعي جدًا وبكل بساطة أن لايتصدى الدفاع الجوي المصري لطائرات العدو  المغيرة؛ كي لا تتعرض طائرة المشير للخطر أو الأذية. 

*****


في مصر نبقى . ثقة جمال عبد الناصر المطلقة بالمشير وهو ليس أهل ثقة ولا جدارة ، خطأ جسيم ..

كيف لمثله أن يقود جيشًا في أحلك الظروف ؟!

لن نتناول مجريات أيام العدوان الستة وما فيها من غرائب، ولكن نكتفي بالإشارة إلى تخبط العسكر المصري وأوامر الانسحاب التي أعطيت له وأُعطي عكسها ؛ فكان الهروب و الفرار -لا الانسحاب - دون تغطية جوية في صحراء سيناء المكشوفة. 

لم يمسك جمال عبد الناصر بزمام الأمورالعسكرية مباشرة وبقيت بيد للمشير. فكان ماكان. وقد يكون ذلك ما حمل جمال عبد الناصر على تحمّل المسؤولية كما أعلن عشية 9-9-1967. مسؤولية غير مباشرة فرضتها عليه موازين القوى داخل الدولة و مؤسساتها بين 1952 1967 . 

في سورية ،انشغل قادة «حزب البعث العربي الاشتراكي» بخلافاتهم وصراعاتهم وتخوين بعضهم البعض. نقل  السفير السوفياتي إليهم - على ما أبلغوا عبد الناصر– أن « إسرائيل» تحشد قواتها على الحدود مع سورية ، فاكتفوا بإبلاغ عبد  الناصر واستدراجه لمحاربة « إسرائيل» نيابة عنهم ، فكان لهم ما عملوا له.

على الجبهة السورية كان استسلام و ربما خيانة ، فأُعلن سقوط الجولان من الإذاعة السورية قبل سقوطها . سقوط أذهل بسهولته قادة العدو كما أعلنوا . 

إلى الأردن . الملك حسين مطمئن لعلاقاته مع الولايات المتحدة الأمريكية ، واطمئنانه في غير محله . احتل الجيش الصهيوني الضفة الغربية من نهر الأردن كاملة بما فيها القدس  . لم يواجه الجيش الصهيوني أي مقاومة من اليش الأردني في القدس . واجهته مقاومة شعبية بإمكانيات متواضعة، تخوف من اقتحام القدس، رغم أن ذلك الوضع قد أغراه باقتحامها ، فاقتحم بما يشبه العبور . تحسّب حكام الكيان الصهيوني و توقعوا – ولم تصب توقعاتهم – غضبة عارمة في العالم الإسلامي ، احتجاجًا ،ما كان .                                        

                         ووصل العدو الصهيوني إلى الضفة الشرقية لقناة السويس .  

*****

بمحبة وتقدير وتفهم نكتب ، جمال عبد  الناصر مسؤول ومعذور .مسؤول بالإبقاء عليه. ومعذور؛ فأي صدام مع المشير يعني خرابًا لمصر؛ فهو ممسك بالجيش ، والجيش ممسك بإدارات الدولة ، والتعرض له يعني صدامًا مع الجيش وتفرعاته .                                                             

 لكن ... يكفي جمال عبد الناصر أنه أيقظ الوعي فينا وعلمنا « إن النصر حركة، والحركة عمل، والعمل فكر، والفكر فهم وإيمان، وهكذا كل شيء يبدأ بالإنسان» . 

وأن النصر رؤية واستعداد وتصميم وإرادة وتخطيط وعمل ومتابعة . 

النصر بتحمل المسؤولية بشجاعة لا رميها على الآخرين . فلا ذر الرماد في العيون بنافع ، ولا نافعة سياسة النعامة بدفن رأسها بالتراب ظنًا منها بأنها بذلك لا تُرى.