من يسقط أولاً حكام لبنان أم الدولة؟

إغتالت إسرائيل الرجل الثاني في حزب الله هيثم علي الطبطبائي في ضاحية بيروت الجنوبية معلنة استئناف العمل بإغتيالات قيادات الصف الأول الذي اعتمدته مع حزب الله قبل التوصل إلى اتّفاق لوقف إطلاق النار في 27 نوفمبر المنصرم، ومعلنةً في الوقت عيّنه إفتتاح مرحلة جديدة في التعامل بالنار مع لبنان قوامها نقل العاصمة بيروت من دائرة التهديد بالقصف إلى دائرة الإستهداف.
الحدث الميداني ذو الدلالات الكثيرة تم الترويج له على امتداد أسابيع في وسائل الإعلام الإسرائيلية، بالتركيز على إستعادة حزب الله لقدراته ونقل مجموعة من الصواريخ القصيرة المدى إلى مواقع تهدد أمن المستوطنات، وقد أضافت إليها في الأيام التي سبقت عملية الإغتيال إعداد حزب الله لعملية إستباقية تستهدف شمال إسرائيل. المفارقة التي تطرح العديد من التساؤلات أن حزب الله دخل كعادته في دائرة التضليل الإسرائيلية ـــــــ التي تريد بشكل دائم تسويق حزب الله لدى المجتمع الدولي كأنه مصدر حقيقي للخطر على أمن واستقرار إسرائيل ـــــــ فأفاض قادته في الحديث عن تغيير منظومة القيادة بأخرى أكثر رشاقة واستعداد الحزب للمواجهة، ودائماً مع التركيز على رفضه تسليم السلاح. أتت الضربة / الإغتيال بعد أن استُكملت ظروف إنضاجها من قِبل إسرائيل وحزب الله.
كيف سيتعامل كلّ من حزب الله والدولة اللبنانية إزاء عملية الإغتيال وما بعدها؟
حزب الله لم يتغير ولا يبدو قادراً على ذلك. لم يقرأ الحزب الدروس المستقاة من حرب الإسناد أو ربما لا تتيح له طهران قراءتها للعمل بموجبها. على المستوى الإستخباراتي، تعيدنا عناصر التسويق لاغتيال الطبطبائي - التي تمّ التركيز عليها في الإعلام الإسرائيلي والتي انضم إليها الحزب - إلى الإستراتيجية الإستخباراتية التي استخدمت في عملية «البايجر». في حينه عزت إسرائيل نجاحها في تنفيذ الإغتيالات إلى قدراتها في التنصت على الهواتف الخلوية مهيئة الظروف التقنية لتخلي الحزب عنها وخداعه ودفعه تالياً لشراء أجهزة البايجر عبر شركة وهمية تعمل لدى الموساد، حيث تمكنت من إسقاط بضعة آلاف من قادته وشل قدراته الميدانية في هجمة الكترونية واحدة.
أما على المستوى الميداني وإحتمالات الرد، فتعكس مواقف الحزب تجاه عملية إغتيال الطبطبائي وما سبقها من عمليات استهدفت مقاتلين تجاوز عددهم 300 كادر حزبي ، مستوييّن من الخطاب يحددان موقف طهران مما يجري في لبنان. المستوى الأول موجّه إلى إسرائيل يؤكد على التخلي عن السلاح في جنوب الليطاني مع ضمان أمن مستوطنات الشمال، وهذا ما كرره الأمين العام الشيخ نعيم قاسم في أكثر من مناسبة. أما المستوى الآخر فموجّه للداخل اللبناني ويؤكد على التمسك بالسلاح بما يبقي على مصالح طهران في لبنان ولا يتناقض مع المصالح الإسرائيلية. وبهذا يصبح من المؤكد أن الحزب لن يُقدم على أي رد ميداني بل سيتأقلم مع معادلة أمنية ترسم إسرائيل معالمها بالنار في لبنان، في حين يبقى متحفزاً لمواجهة في الداخل إنقاذاً لمصالح طهران ودائماً بما لا يثير مخاوف إسرائيل.
المواقف الرسمية في لبنان إزاء الإغتيال تعكس حالة «التيه السياسي» التي تعيشها سلطة سياسية منقسمة على ذاتها بين ما يصدر عن الحكومة لدى اجتماعها وما يصدر عن رئاسة الجمهورية أي خارج الموقع الدستوري لوضع السياسة العامة واتخاذ القرارات. وقد أُضيفت إلى هذا الإنقسام أزمة ثقة ومصداقية مع المجتمعين الدولي والعربي جراء الإخفاق في مسار تنفيذ حصرية السلاح وفي التعامل مع اتّفاق وقف إطلاق النار برمّته. لكن ما يجعل الإغتيال مقدمة لمرحلة من المخاطر هو تزامنه مع تردي غير مسبوق في العلاقات بين لبنان وواشنطن وتحديداً مع رئاسة الجمهورية وقيادة القوات المسلحة ـــــ عبّرت عنه مواقف متعددة لشخصيات وازنة في الإدارة الأميركية، وتجاهل الإدارة الأميركية الفاضح للمبادرات التي تصدر عن رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون والتي تقدّم صيغ لا تبدو خارج الصندوق ولا تقوى على تجاوز التفسير الذي يعتمده حزب الله لإتفاق وقف إطلاق النار، مما يجعل البناء عليها أمراً مرفوضاً.
قد يكون من المبالغة إدعاء القدرة على قراءة مسار التطورات المرتقبة واستحقاقاتها النوعية والزمنية، لكن من المؤكد أن لبنان على أعتاب مرحلة من المواجهة المتعددة المستويات تفرضها حالة «التيه السياسي» المخيمة على لبنان إلى جانب العزلة الدولية والعربية التي ترتبط بشكل كبير بمدى تجاوب لبنان مع الضغوط للخروج من الدائرة المقفلة التي رسمها لنفسه. وبهذا إن إمكانية البحث عن تقاطعات مشتركة بين الثوابت الأميركية المتمسكة بإخراج ميليشيات طهران من المنطقة والموقف الإيراني المتمسك بتقديم التنازلات ومنها أمن شمال إسرائيل ووقف التخصيب النووي لقاء الإبقاء على سلاح حزب الله تبدو مستحيلة. إن تحقيق الأهداف الأميركية يستدعي إسقاط الحكم والحكام في لبنان بينما يستدعي تحقيق مصالح طهران إسقاط الدولة.
فهل تسقط الدولة في لبنان أولاً أم يسقط حكام لبنان؟
* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات
العميد الركن خالد حمادي